الاثنين، 26 أبريل 2010

صلاة أبي بكر جماعة بأمر النبي (ص) الحقيقة والدلالات

مما يستدل على استحقاق الخليفة الأول أبي بكر للإمارة بعد رحيل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى دون سواه هو دعوى أمر الرسول له بالصلاة في أيام مرضه وتعذر ذهابه للصلاة بنفسه، فقيام الخليفة الأول مقام النبي في هذا المقام بأمر منه في أواخر حياته له دليل على كونه الأجدر والأحق بالخلافة، وإلا لما طلب منه ذلك وجعلها من دون تنصيب لأحد حتى لا تشرئب عنق من لا يستحق الإمارة إليها، وحيث أنه قد أوصى بالصلاة لأبي بكر فهو مستحق للإمارة قاطعا بذلك على كل من يحدث بها نفسه
وهنا سأذكر بعض استشهادات بعض علماء السنة الكرام في هذا الموضوع:

الكتاب: الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد على مذهب السلف وأصحاب الحديث
المؤلف : أحمد بن الحسين البيهقي
ج1 ص337 بحسب ترتيب المكتبة الشاملة "باب تنبيه رسول الله صلى الله عليه و سلم على خلافة أبي بكر الصديق بعده وبيان ما في الكتاب من الدلالة على صحة إمامته وإمامة من بعده من الخلفاء الراشدين
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ رحمه الله ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا العباس بن محمد الدوري ثنا الحسين الجعفي عن زايدة عن عبد الملك بن عمير عن أبي بردة عن أبي موسى قال مرض رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال
مروا أبا بكر فليصل بالناس فقالت عائشة يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق متى يقوم مقامك لا يستطيع يصلي بالناس قال فقال
مروا أبا بكر يصلي بالناس فإنكن صواحبات يوسف قال فصلى أبو بكر في حياة رسول الله صلى الله عليه و سلم... إلى آخر حديثه "

الكتاب : السنة ج2 ص301 بحسب ترتيب المكتبة الشاملة
المؤلف : أحمد بن محمد بن هارون بن يزيد الخلال أبو بكر " ذكر خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه
365 - أخبرنا أبو بكر المروذي قال قيل لأبي عبدالله قول النبي يؤم القوم أقرؤهم فلما مرض رسول الله قال قدموا أبا بكر يصلي بالناس وقد كان في القوم من أقرأ من أبي بكر فقال أبو عبدالله إنما أراد الخلافة // إسناد هذا الأثر صحيح"

الكتاب : الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة
المؤلف : أبي العباس أحمد بن محمد بن محمد بن علي إبن حجر الهيتمي
ج1 الفصل الثالث، الحديث السابع،ص 59 بحسب ترتيب المكتبة الشاملة " السابع أخرج الشيخان عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال مرض النبي فاشتد مرضه فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس قالت عائشة يا رسول الله إنه رجل رقيق القلب إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس فقال مري أبا بكر فليصل بالناس فعادت فقال مري أبا بكر فليصل بالناس فإنكن صواحب يوسف فأتاه الرسول فصلى بالناس في حياة رسول الله
وفي رواية أنها لما راجعته فلم يرجع لها قالت لحفصة قولي له يأمر عمر فقالت له فأبى حتى غضب وقال أنتن أو إنكن أو لأنتن صواحب يوسف مروا أبا بكر
اعلم أن هذا الحديث متواتر فإنه ورد من حديث عائشة وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وعبد الله بن زمعة وأبي سعيد وعلي بن أبي طالب وحفصة وفي بعض طرقه عن عائشة لقد راجعت رسول الله في ذلك وما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحب الناس بعده رجلا قام مقامه أبدا ولا كنت أرى أنه لن يقوم أحد مقامه إلا تشاءم الناس به فأردت أن يعدل ذلك رسول الله عن أبي بكر
وفي حديث ابن زمعة أن رسول الله بالصلاة وكان أبو بكر غائبا فتقدم عمر فصلى فقال رسول الله لا لا يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر فيصلي بالناس أبو بكر
و في رواية عنه أنه قال له أخرج وقل لأبي بكر يصلي بالناس فخرج فلم يجد على الباب إلا عمر في جماعة ليس فيهم أبو بكر فقال يا عمر صل بالناس فلما كبر وكان صيتا وسمع صوته قال يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر وفي حديث ابن عمر كبر عمر فسمع رسول الله تكبيره فأطلع رأسه مغضبا فقال أين ابن أبي قحافة
قال العلماء في هذا الحديث أوضح دلالة على أن الصديق أفضل الصحابة على الإطلاق وأحقهم بالخلافة وأولاهم بالإمامة
قال الأشعري قد علم بالضرورة أن رسول الله أمر الصديق أن يصلي بالناس مع حضور المهاجرين والأنصار مع قوله يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فدل على أنه كان أقرأهم أي أعلمهم بالقرآن انتهى
و قد استدل الصحابة أنفسهم بهذا على أنه أحق بالخلافة منهم عمر ومر كلامه في فصل المبايعة ومنهم علي فقد أخرج ابن عساكر عنه لقد أمر النبي أبا بكر أن يصلي بالناس وإني لشاهد وما أنا بغائب وما بي مرض فرضينا لدنيانا ما رضيه النبي لديننا
قال العلماء وقد كان معروفا بأهلية الإمامة في زمان النبي
و أخرج أحمد وأبو داود وغيرهما عن سهل بن سعد قال كان قتال بين بني عمرو وبني عوف فبلغ النبي فأتاهم بعد الظهر ليصلح بينهم فقال يا بلال إن حضرت الصلاة ولم آت فمر أبا بكر فليصل بالناس فلما حضرت صلاة العصر أقام بلال الصلاة ثم أمر أبا بكر فصلى
ووجه ما تقرر من أن الأمر بتقديمه للصلاة كما ذكر فيه الإشارة أو التصريح بأحقيته بالخلافة إذ القصد الذاتي من نصب الإمام العالم إقامة شعائر
الدين على الوجه المأمور به من أداء الواجبات وترك المحرمات وإحياء السنن وإماتة البدع وأما الأمور الدنيوية وتدبيرها كاستيفاء الأموال من وجوهها وإيصالها لمستحقها ودفع الظلم ونحو ذلك فليس مقصودا بالذات بل ليتفرغ الناس لأمور دينهم إذ لا يتم تفرغهم له إلا إذا انتظمت أمور معاشهم بنحو الأمن على الأنفس والأموال ووصول كل ذي حق إلى حقه فلذلك رضي النبي لأمر الدين وهو الإمامة العظمى أبا بكر بتقديمه للإمامة في الصلاة كما ذكرنا ومن ثم أجمعوا على ذلك كما مر
و أخرج ابن عدي عن أبي بكر بن عياش قال قال لي الرشيد يا أبا بكر كيف استخلف الناس أبا بكر الصديق رضي الله عنه قلت يا أمير المؤمنين سكت الله وسكت رسوله وسكت المؤمنون قال والله ما زدتني إلا عماء قلت يا أمير المؤمنين مرض النبي ثمانية أيام فدخل عليه بلال فقال يا رسول الله من يصلي بالناس قال مر أبا بكر فليصل بالناس فصلى أبو بكر بالناس ثمانية أيام والوحي ينزل عليه فسكت رسول الله لسكوت الله وسكت المؤمنون لسكوت رسول الله فأعجبه فقال بارك الله فيك "

هذا الدليل هل يصل إلى درجة الإقناع باستحقاق أبي بكر الإمامة العظمى أم لا؟
الجواب على هذا الدليل يحتاج النظر فيه إلى الروايات التي استند فيها عليه وفي الحقيقة لو أن المسلم نظر للجواب نظرة المنصف الخالي من علائق الشبهة ورواسب العصبية فإنه سيكون له كضياء الشمس في رابعة النهار.
فأولا: مع غض النظر عن كون المستند لا يصلح لإقناع من لا يؤمن بمذهب أهل السنة الكرام، إلا أنه لا يصلح كذلك دليلا لهم على أحقية استلام الخليفة الأول للإمرة مقدما على أمير المؤمنين.
إذ أن القول بأن النبي صلى عليه وآله أمر أبا بكر بالصلاة فيه وجهان إما ان القصة مختلقة موضوعة أو أن تكون حقيقة واقعة وعلى كلا الوجهين فإن أحقيته لاستحقاقه للأمارة بعد النبي غير تام وباطل.
الوجه الأول: أن القصة مختلقة موضوعة: وذلك لعدة أمور أذكر منها اثنين:
الأمر الأول:
أن الروايات الواردة في صلاة أبي بكر مضطربة ومتعارضة، وغاية ما يمكن القول في محاولة الجمع بين الروايات المتعارضة ما أفاده أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة الطحاوي الأزدي في كتابه مشكل الآثار إذ يقول: أن ما كان منه صلى الله عليه وسلم من جلوسه إلى جنب أبي بكر في الصلاة التي كان أبو بكر يؤم الناس فيها ، أراد بذلك أن يكون هو الإمام فيها، وما في حديث مسروق، عن عائشة، وما في حديث أنس، عن صلاة أبي بكر في مرضه ذلك، فذلك عندنا - والله أعلم - في صلاة أخرى - والله أعلم - لأن في حديث ابن عباس، وعائشة، أن أبا بكر قد كان يصلي بالناس تلك الأيام، فدل ذلك: أنه كان صلى بهم صلوات لها عدد، فاحتمل أن يكون صلى بعضها خلف أبي بكر، وبعضها بأبي بكر وبالناس، حتى تتفق الآثار المروية في ذلك، ولا يضاد شيء منها شيئا، وإن فيما قد بينا من إمامة رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا والناس قيام كان أبو حنيفة، وأبو يوسف، وزفر، ومحمد بن إدريس الشافعي رحمهم الله تعالى يذهبون إليه في إجازة إمامة القاعد الذي يركع ويسجد للقائمين الذين يركعون ويسجدون؛ لأن القعود الذي فيه الركوع والسجود لما كان بدلا عن القيام كان البدل كالمبدل منه، وكان فاعل البدل كفاعل المبدل، فجاز أن يكون إماما لأهله، هذا هو القياس في هذا الباب، وقد كان مالك بن أنس، ومحمد بن الحسن يذهبان في ذلك إلى أن لا يؤم قاعد قائما بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويذهب إلى أن الذي كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الصلاة خاصا ليس لأحد من أمته ذلك سواه. وليس لأحد أن يخص شيئا كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بما يوجب له من توقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس عليه.
وفي مقدمة فتح الباري شرح صحيح البخاري لشهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني الشافعي المتوفى: 852 قال: فيحمل هذا الاختلاف على تعدد القصة وقد حمل الشافعي رحمه الله عليه الاختلاف في كونه كان الإمام وأبو بكر يصلي مع الناس خلفه أو كان أبو بكر الإمام ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي خلفه على التعدد لأنه صلى الله عليه وسلم مرض أياما واستخلف فيها أبا بكر فلا يبعد أن يكون خرج إلى الصلاة فيها مرارا والله أعلم.
وبعد هذين النقلين سأوضح لك أن هذا الجمع غير صحيح أصلا وأن التعارض والاضطراب بين الروايات قائما.ولهذا سأقسم الروايات على مجموعات:
المجموعة الأولى:وهي التي تدل على أن أبا بكر صلى أياما قبل ارتحال النبي للرفيق الأعلى، فمنها:
1. سنن البيهقي: 17028- أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ : اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ثَلاَثَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَكَانَ إِذَا وَجَدَ خِفَّةً صَلَّى وَإِذَا ثَقُلَ صَلَّى أَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ.
2. سنن الدارقطني: 1518 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا حَمْدُونُ بْنُ عَبَّادٍ أَبُو جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ حَدَّثَنَا خَارِجَةُ بْنُ مُصْعَبٍ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ مُسْلِمٍ كِلاَهُمَا عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَشْرَةَ أَيَّامٍ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّى بِالنَّاسِ تِسْعَةَ أَيَّامٍ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْعَاشِرِ وَجَدَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- خِفَّةً فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فَصَلَّى خَلْفَ أَبِى بَكْرٍ قَاعِدًا.
وأنت كما ترى فالاضطراب واضح حتى بين هاتين الروايتين، فالرواية الأولى تثبت الصلاة تارة للنبي وتارة لأبي بكر وهي تثبت أن عدد الأيام ثلاثة عشر يوما، أما الرواية الثانية فهي لا تثب إلا صلاة واحدة فقط خرج لها النبي صلى الله عليه وآله، ومدة مرضه عشرة أيام. وبناء عليها فلا يمكن حمل التعدد لصلاة النبي صلى الله عليه وآله مع أبي بكر وأن الصلاة التي خرج إليها صلى الله عليه وآله في مرضه واحدة. ومما يزيد الاضطراب أكثر ما رواه البخاري وهي هذه الرواية.
3. البخاري: 680 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ الأَنْصَارِىُّ - وَكَانَ تَبِعَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - وَخَدَمَهُ وَصَحِبَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُصَلِّى لَهُمْ فِى وَجَعِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - الَّذِى تُوُفِّىَ فِيهِ ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الاِثْنَيْنِ وَهُمْ صُفُوفٌ فِى الصَّلاَةِ ، فَكَشَفَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - سِتْرَ الْحُجْرَةِ يَنْظُرُ إِلَيْنَا ، وَهْوَ قَائِمٌ كَأَنَّ وَجْهَهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ ، ثُمَّ تَبَسَّمَ يَضْحَكُ ، فَهَمَمْنَا أَنْ نَفْتَتِنَ مِنَ الْفَرَحِ بِرُؤْيَةِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ ، وَظَنَّ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - خَارِجٌ إِلَى الصَّلاَةِ ، فَأَشَارَ إِلَيْنَا النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ ، وَأَرْخَى السِّتْرَ ، فَتُوُفِّىَ مِنْ يَوْمِهِ.
فظاهر الرواية أن النبي طوال مرضه لم يصل بهم حتى يوم الاثنين اليوم الذي توفي فيه النبي إلا أن يقال أن المراد بها هي صلاة الصبح وآخر صلاة للنبي هي صلاة الظهر، ولكن هذا لا يعالج الاضطراب إذ أنها ستحصر الصلاة التي صلاه النبي مع أبي بكر في مرضه هي صلاة واحدة مما يؤكد الخبر الثاني على الخبر الأول وهذا مما يزيد في الاضطراب اضطرابا إذ بعضها يثبت كون النبي على اليمين وبعضها على اليسار وبعضها في الخلف.
وما رواه أحمد في مسنده والبخاري يزيد في الطين بلة:
4. مسند أحمد: 13435- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا يَزِيدُ أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ - يَعْنِى ابْنَ حُسَيْنٍ - عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَرَضَهُ الَّذِى تُوُفِّىَ فِيهِ أَتَاهُ بِلاَلٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلاَةِ فَقَالَ بَعْدَ مَرَّتَيْنِ « يَا بِلاَلُ قَدْ بَلَّغْتَ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُصَلِّ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَدَعْ ». فَرَجَعَ إِلَيْهِ بِلاَلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِى أَنْتَ وَأُمِّى مَنْ يُصَلِّى بِالنَّاسِ قَالَ « مُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ ». فَلَمَّا أَنْ تَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ رُفِعَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- السُّتُورُ - قَالَ - فَنَظَرْنَا إِلَيْهِ كَأَنَّهُ وَرَقَةٌ بَيْضَاءُ عَلَيْهِ خَمِيصَةٌ فَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ يَتَأَخَّرُ وَظَنَّ أَنَّهُ يُرِيدُ الْخُرُوجَ إِلَى الصَّلاَةِ فَأَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى أَبِى بَكْرٍ أَنْ يَقُومَ فَيُصَلِّىَ فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَصَلَّى بِالنَّاسِ فَمَا رَأَيْنَاهُ بَعْدُ.
5. البخاري: 681 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ لَمْ يَخْرُجِ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - ثَلاَثًا ، فَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ ، فَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ يَتَقَدَّمُ فَقَالَ نَبِىُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْحِجَابِ فَرَفَعَهُ ، فَلَمَّا وَضَحَ وَجْهُ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - مَا نَظَرْنَا مَنْظَرًا كَانَ أَعْجَبَ إِلَيْنَا مِنْ وَجْهِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ وَضَحَ لَنَا ، فَأَوْمَأَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ إِلَى أَبِى بَكْرٍ أَنْ يَتَقَدَّمَ ، وَأَرْخَى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - الْحِجَابَ ، فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ.
فلو أن الرسول خرج إليهم لكان قد رأوه وفي الرواية الأخيرة أنه لم يقدر عليه حتى مات فمعناه حسب ظاهر هاتين الروايتين أن الرسول لم يخرج حتى لصلاة الظهر والتي هي آخر صلاة له. وهذا مما يثير الاستغراب والحيرة في نقل هذه الواقعة الواحدة بشكل يصعب الجمع فيه بل يستحيل.
المجموعة الثانية: وهي الروايات الدالة على الصلاة الأخيرة للنبي قبل وفاته:
1. سنن ابن ماجة: 1292 - حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ الْجَهْضَمِىُّ أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ مِنْ كِتَابِهِ فِى بَيْتِهِ قَالَ سَلَمَةُ بْنُ نُبَيْطٍ أَنْبَأَنَا عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِى هِنْدٍ عَنْ نُبَيْطِ بْنِ شَرِيطٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ أُغْمِىَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى مَرَضِهِ ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ « أَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ ». قَالُوا نَعَمْ. قَالَ « مُرُوا بِلاَلاً فَلْيُؤَذِّنْ وَمُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ - أَوْ لِلنَّاسِ - ». ثُمَّ أُغْمِىَ عَلَيْهِ فَأَفَاقَ فَقَالَ « أَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ ». قَالُوا نَعَمْ. قَالَ « مُرُوا بِلاَلاً فَلْيُؤَذِّنْ وَمُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ ». ثُمَّ أُغْمِىَ عَلَيْهِ فَأَفَاقَ فَقَالَ « أَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ ». قَالُوا نَعَمْ. قَالَ « مُرُوا بِلاَلاً فَلْيُؤَذِّنْ وَمُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ ». فَقَالَتْ عَائِشَةُ إِنَّ أَبِى رَجُلٌ أَسِيفٌ فَإِذَا قَامَ ذَلِكَ الْمُقَامَ يَبْكِى لاَ يَسْتَطِيعُ فَلَوْ أَمَرْتَ غَيْرَهُ. ثُمَّ أُغْمِىَ عَلَيْهِ فَأَفَاقَ فَقَالَ « مُرُوا بِلاَلاً فَلْيُؤَذِّنْ وَمُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ أَوْ صَوَاحِبَاتُ يُوسُفَ ». قَالَ فَأُمِرَ بِلاَلٌ فَأَذَّنَ وَأُمِرَ أَبُو بَكْرٍ فَصَلَّى بِالنَّاسِ ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَجَدَ خِفَّةً فَقَالَ « انْظُرُوا لِى مَنْ أَتَّكِئُ عَلَيْهِ ». فَجَاءَتْ بَرِيرَةُ وَرَجُلٌ آخَرُ فَاتَّكَأَ عَلَيْهِمَا فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ ذَهَبَ لِيَنْكُصَ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَنِ اثْبُتْ مَكَانَكَ ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِ أَبِى بَكْرٍ حَتَّى قَضَى أَبُو بَكْرٍ صَلاَتَهُ ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قُبِضَ...
إذا بدلالة هذه الرواية تثبت أن النبي صلى الله عليه وآله كان بجنب أبي بكر من دون الإشارة إلى اليمين أو الشمال.ولكنها متعارضة مع بعض روايات المجموعة الأولى النافية للصلاة الأخيرة.
2. سنن ابن ماجة: 1293 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ عَنِ الأَرْقَمِ بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَرَضَهُ الَّذِى مَاتَ فِيهِ كَانَ فِى بَيْتِ عَائِشَةَ. فَقَالَ « ادْعُوا لِى عَلِيًّا ». قَالَتْ عَائِشَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَدْعُو لَكَ أَبَا بَكْرٍ قَالَ « ادْعُوهُ ». قَالَتْ حَفْصَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَدْعُو لَكَ عُمَرَ قَالَ « ادْعُوهُ ». قَالَتْ أُمُّ الْفَضْلِ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَدْعُو لَكَ الْعَبَّاسَ قَالَ « نَعَمْ ». فَلَمَّا اجْتَمَعُوا رَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رَأْسَهُ فَنَظَرَ فَسَكَتَ فَقَالَ عُمَرُ قُومُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. ثُمَّ جَاءَ بِلاَلٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلاَةِ فَقَالَ « مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ ». فَقَالَتْ عَائِشَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ حَصِرٌ وَمَتَى لاَ يَرَاكَ يَبْكِى وَالنَّاسُ يَبْكُونَ فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ يُصَلِّى بِالنَّاسِ. فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ فَصَلَّى بِالنَّاسِ فَوَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَرِجْلاَهُ تَخُطَّانِ فِى الأَرْضِ فَلَمَّا رَآهُ النَّاسُ سَبَّحُوا بِأَبِى بَكْرٍ فَذَهَبَ لِيَسْتَأْخِرَ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- أَىْ مَكَانَكَ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَجَلَسَ عَنْ يَمِينِهِ وَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْتَمُّ بِالنَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- وَالنَّاسُ يَأْتَمُّونَ بِأَبِى بَكْرٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ الْقِرَاءَةِ مِنْ حَيْثُ كَانَ بَلَغَ أَبُو بَكْرٍ. قَالَ وَكِيعٌ وَكَذَا السُّنَّةُ. قَالَ فَمَاتَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى مَرَضِهِ ذَلِكَ....
وهي مع تعارضها مع بعض روايات المجموعة الأولى النافية لصلاته الأخيرة أو الصلوات أجمع فهي تثبت أن النبي صلى عن يمين أبي بكر وهو الإمام وأبو بكر مأموما وأماما، فلا يحصل تعارض مع سابقتها من تحديد الجهة التي صلى فيها النبي صلوات الله عليه وعلى أهل بيته
3. مسند أحمد: 12952- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ أَخْبَرَنِى حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ آخِرُ صَلاَةٍ صَلاَّهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَعَ الْقَوْمِ صَلَّى فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحاً بِهِ خَلْفَ أَبِى بَكْرٍ.
وفي هذه الرواية لها معارضان المعرض الأول تلك الروايات التي في المجموعة الأولى والمعارض الثاني ما سبقها من نفس المجموعة إذ أنها تثبت أن النبي عليه وعلى أهل بيته أفضل الصلاة والسلام صلى خلف أبي بكر ولا ندري كيف يكون النبي تارة يصلي في الجنب وفي اليمين وتارة في الخلف وهي صلاة واحدة.
المجموعة الثالثة: وهي الروايات التي فيها طلب عائشة إعفاء أبي بكر من الصلاة.
وهذه المجموعة لا يتوقع فيها أن تكون الحادثة متعددة فلا يعقل أن تكرر عائشة نفس الطلب كل مرة ويقوم النبي بتقريعها، والتعارض والاضطراب فيها واضح.
1. البخاري 664 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ قَالَ حَدَّثَنِى أَبِى قَالَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ الأَسْوَدُ قَالَ كُنَّا عِنْدَ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - فَذَكَرْنَا الْمُوَاظَبَةَ عَلَى الصَّلاَةِ وَالتَّعْظِيمَ لَهَا ، قَالَتْ لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَضَهُ الَّذِى مَاتَ فِيهِ ، فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَأُذِّنَ ، فَقَالَ « مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ » . فَقِيلَ لَهُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ ، إِذَا قَامَ فِى مَقَامِكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّىَ بِالنَّاسِ ، وَأَعَادَ فَأَعَادُوا لَهُ ، فَأَعَادَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ « إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ » . فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ فَصَلَّى ، فَوَجَدَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً ، فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ كَأَنِّى أَنْظُرُ رِجْلَيْهِ تَخُطَّانِ مِنَ الْوَجَعِ ، فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَتَأَخَّرَ ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ مَكَانَكَ ، ثُمَّ أُتِىَ بِهِ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ . قِيلَ لِلأَعْمَشِ وَكَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّى وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّى بِصَلاَتِهِ ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاَةِ أَبِى بَكْرٍ فَقَالَ بِرَأْسِهِ نَعَمْ . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الأَعْمَشِ بَعْضَهُ . وَزَادَ أَبُو مُعَاوِيَةَ جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِى بَكْرٍ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّى قَائِمًا .
2. مسلم 968 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى - وَاللَّفْظُ لَهُ - قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- جَاءَ بِلاَلٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلاَةِ فَقَالَ « مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ ». قَالَتْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ إِنَّهُ مَتَى يَقُمْ مَقَامَكَ لاَ يُسْمِعِ النَّاسَ فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ. فَقَالَ « مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ ». قَالَتْ فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ قُولِى لَهُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ وَإِنَّهُ مَتَى يَقُمْ مَقَامَكَ لاَ يُسْمِعِ النَّاسَ فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ. فَقَالَتْ لَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّكُنَّ لأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ. مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ ». قَالَتْ فَأَمَرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّى بِالنَّاسِ - قَالَتْ - فَلَمَّا دَخَلَ فِى الصَّلاَةِ وَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَقَامَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَرِجْلاَهُ تَخُطَّانِ فِى الأَرْضِ - قَالَتْ - فَلَمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ سَمِعَ أَبُو بَكْرٍ حِسَّهُ ذَهَبَ يَتَأَخَّرُ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قُمْ مَكَانَكَ. فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِى بَكْرٍ - قَالَتْ - فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّى بِالنَّاسِ جَالِسًا وَأَبُو بَكْرٍ قَائِمًا يَقْتَدِى أَبُو بَكْرٍ بِصَلاَةِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- وَيَقْتَدِى النَّاسُ بِصَلاَةِ أَبِى بَكْرٍ.
الاضطراب بين هاتين الروايتين بالإضافة إلى ما سبق من الاختلاف في الجهة فيما بينها وتعارضها مع بعض الروايات الواردة في المجموعة الأولى هو أن الرواية هي عائشة ففي الأولى تقول:" فَقِيلَ لَهُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ " ومن خلال تقريع النبي صلى الله عليه وآله بقوله "أنكن صواحب يوسف " يظهر من خلالها إسناد الكلام إلى بعض نساء النبي غير عائشة، ولكن في الرواية الثانية يتضح بصورة قاطعة للشك أن القائلة هي نفس عائشة لا غير، فلا نعلم لماذا أخفت عائشة أو أخفي نسبة القول لها تارة والتصريح بها تارة أخرى.

3. سنن ابن ماجة: 1293 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ عَنِ الأَرْقَمِ بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَرَضَهُ الَّذِى مَاتَ فِيهِ كَانَ في بَيْتِ عَائِشَةَ. فَقَالَ « ادْعُوا لي عَلِيًّا ». قَالَتْ عَائِشَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَدْعُو لَكَ أَبَا بَكْرٍ قَالَ « ادْعُوهُ ». قَالَتْ حَفْصَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَدْعُو لَكَ عُمَرَ قَالَ « ادْعُوهُ ». قَالَتْ أُمُّ الْفَضْلِ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَدْعُو لَكَ الْعَبَّاسَ قَالَ « نَعَمْ ». فَلَمَّا اجْتَمَعُوا رَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رَأْسَهُ فَنَظَرَ فَسَكَتَ فَقَالَ عُمَرُ قُومُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. ثُمَّ جَاءَ بِلاَلٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلاَةِ فَقَالَ « مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ ». فَقَالَتْ عَائِشَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ حَصِرٌ وَمَتَى لاَ يَرَاكَ يَبْكِى وَالنَّاسُ يَبْكُونَ فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ يُصَلِّى بِالنَّاسِ. فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ فَصَلَّى بِالنَّاسِ فَوَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَرِجْلاَهُ تَخُطَّانِ في الأَرْضِ فَلَمَّا رَآهُ النَّاسُ سَبَّحُوا بِأَبِى بَكْرٍ فَذَهَبَ لِيَسْتَأْخِرَ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- أَىْ مَكَانَكَ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَجَلَسَ عَنْ يَمِينِهِ وَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْتَمُّ بِالنَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- وَالنَّاسُ يَأْتَمُّونَ بِأَبِى بَكْرٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ الْقِرَاءَةِ مِنْ حَيْثُ كَانَ بَلَغَ أَبُو بَكْرٍ. قَالَ وَكِيعٌ وَكَذَا السُّنَّةُ. قَالَ فَمَاتَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى مَرَضِهِ ذَلِكَ.
4. البخاري: 712 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ لَمَّا مَرِضَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - مَرَضَهُ الَّذِى مَاتَ فِيهِ أَتَاهُ بِلاَلٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلاَةِ فَقَالَ « مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ » . قُلْتُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ ، إِنْ يَقُمْ مَقَامَكَ يَبْكِى فَلاَ يَقْدِرُ عَلَى الْقِرَاءَةِ . قَالَ « مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ » . فَقُلْتُ مِثْلَهُ فَقَالَ فِى الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ « إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ » . فَصَلَّى وَخَرَجَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ ، كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَخُطُّ بِرِجْلَيْهِ الأَرْضَ ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ ذَهَبَ يَتَأَخَّرُ ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ أَنْ صَلِّ ، فَتَأَخَّرَ أَبُو بَكْرٍ - رضى الله عنه - وَقَعَدَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى جَنْبِهِ ، وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُ النَّاسَ التَّكْبِيرَ .
وهذه الرواية بالإضافة على ما فيها تعطي أن مهمة أبو بكر هي إسماع التكبير وهي تخرجه عن كونه إماما للآخرين بل غاية عمله رفع الصوت للتكبير الذي لا يخرج المصلي عن كونه مأموما ضمن المأمومين لا أنه إماما ومأموما في آن واحد.
5. مسند أحمد: 20230- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِىٍّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِى بُرْدَةَ بْنِ أَبِى مُوسَى عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَاشْتَدَّ مَرَضُهُ فَقَالَ « مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّ بِالنَّاسِ ». فَقَالَتْ عَائِشَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ مَتَى يَقُومُ مَقَامَكَ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُصَلِّىَ بِالنَّاسِ. قَالَ « مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبَاتُ يُوسُفَ ». فَأَتَاهُ الرَّسُولُ فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ بِالنَّاسِ فِى حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
فانظر إلى تهافت الروايات في الحادثة الواحدة فبعضها يثبت أن النبي صلى على يمين أبي بكر، وأخرى على يساره، وأخرى تثبت أن أبا بكر يسمع الناس التكبير فلا تدل على كونه مأموما وإماما في نفس الوقت كما تدل عليه الروايات السابقة، وأخرى لا تعدو أن تثبت صلاة أبي يكر من دون خروج النبي صلى الله عليه وآله.
.............
الأمر الثاني:
قد نص بعض كبار علماء السنة أن أبو بكر كان في ضمن جيش أسامة فمنهم المتقي الهندي في كنز العمال وهذا نصه:" عن عروة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد قطع بعثا قبل موتة وأمر عليه أسامة بن زيد وفي ذلك البعث أبو بكر وعمر" [كنز العمال-ج10-ص570].
ومنهم ابن سعد في الطبقات الكبرى وهذا نصه: "حدثنا عبد الوهاب بن عطاء العجلي قال أخبرنا العمري عن نافع عن بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية فيهم أبو بكر وعمر واستعمل عليهم أسامة بن زيد"[ الطبقات الكبرى - ج 2 - ص 249]
ومنهم ابن عساكر في تاريخ دمشق وهذا نصه:" 596 أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل بن عبد العزى ابن امرئ القيس بن عامر بن النعمان بن عبد ود بن كنانة بن عوف ابن عذرة بن عدي بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب أبو زيد ويقال أبو محمد ويقال أبو حارثة ويقال أبو يزيد حب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وابن حبه استعمله رسول الله على جيش فهي أبو بكر وعمر فلم ينفذ حتى توفي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فبعثه أبو بكر إلى الشام" [ تاريخ دمشق- ج8 - ص 46]
وغير ذلك من الأعلام.
ولهذا كيف يعقل أن يأمر النبي صلى الله عليه وآله أبو بكر بالصلاة وهو مأمور بالالتزام بتنفيذ جيش أسامه فالرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن مات وهو يقول لمن رجع نفذوا جيش أسامة أو قال بعث أسامة بل وزاد على ذلك الشهرستاني في الملل والنحل قوله صلى الله عليه وآله وسلم "لعن الله من تخلف عن جيش أسامة"
وقد حاول البعض التملص من هذا الإشكال بنفي كون أبي بكر في الجيش، واستدلوا بأن أمر النبي له بالصلاة دلالة على عدم وجوده، أو إجازة له بالرجوع عن الجيش، كل هذا هروبا من حصول المعصية بمخالفة أمر النبي صلى الله عليه وآله، والغريب في هذا الجواب أنهم قد تناسوا أن عمر بن الخطاب وعبيدة بن الجراح اللذان لا يختلف عليهما أحد في أنهما في جيش أسامة قد تخلفا عنه كذلك وقد شهدا السقيفة مع أبي بكر، فمن أراد رفع الإشكال بمخالفة أمر النبي صلى الله عليه وآله أوقعاه في صاحبيه، وعلى كل حال لو سلمنا جدلا عدم وجوده مبتعثا مع جيش أسامة فيكفيك التناقض والتهافت السابق في الروايات
........................
الجهة الثانية: لو سلمنا جدلا بأن النبي قد أمر أبو بكر بالصلاة في أواخر عمره الشريف، فإنه لا دلالة في ذلك على أحقيته لاستلام منصب الإمامة العظمى وذلك لأمور:
الأمر الأول:
كيف يصح قياس الإمامة الصغرى بالإمامة الكبرى فلو أن كل من ثبتت له الإمامة الصغرى تثبت له الإمامة الكبرى لثبت ذلك لكثير من الصحابة اللذين صلوا بأمر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم كابن أم مكتوم وعبد الرحمان بن عوف وغيرهما.
ففي مسند أحمد: 1687- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا هَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ - قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَمِعْتُهُ أَنَا مِنَ الْهَيْثَمِ بْنِ خَارِجَةَ - حَدَّثَنَا رِشْدِينُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى سَفَرٍ فَذَهَبَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- لِحَاجَتِهِ فَأدْرَكَهُمْ وَقْتُ الصَّلاَةِ فَأَقَامُوا الصَّلاَةَ فَتَقَدَّمَهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَجَاءَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- فَصَلَّى مَعَ النَّاسِ خَلْفَهُ رَكْعَةً فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ « أَصَبْتُمْ ». أَوْ « أَحْسَنْتُمْ ».
إذا بهذه الرواية يكون عبد الرحمان له حق المطالبة بالأمارة لأن النبي قد صلى خلفه. إلا أن يقال أن هذه الصلاة لم تكن بأمر النبي صلى الله عليه وآله فلا تدل على الاستحقاق. ولكن قد يجاب بأن صلاة النبي خلفه وإن لم تكن بأمره مباشرة ولكن باعتبار مشروعيتها لعبد الرحمن وصلاة النبي خلفه تجمع شرطي الأهلية للاستخلاف، فلو لم يكن أهلا لذلك لما صلى النبي خلفه إذ أن الناس بعد علمهم بصلاة النبي خلفه سيتوهمون استحقاقه، فكان على النبي صلى الله عليه وآله أن يضع مائزا بين المستحق للخلافة وغير المستحق للخلافة بنفس الصلاة خلفه فيقول مثلا أن الأمر المباشر للصلاة شرط في تحقق الاستحقاق وأن كون الصلاة هي آخر صلاة في عهدي هي شرط في الاستحقاق وحيث لم يبين بخطاب يفصل في الأمر تكون صلاة النبي خلف أي شخص كاف لأهليته واستحقاقه للخلافة.
وفي سنن ابي داوود: 595 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَنْبَرِىُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِىٍّ حَدَّثَنَا عِمْرَانُ الْقَطَّانُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- اسْتَخْلَفَ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ يَؤُمُّ النَّاسَ وَهُوَ أَعْمَى.
فهل يحق لابن أم مكتوم المطالبة بالإمارة لاستخلافه الرسول لأن يؤم الناس.
الأمر الثاني:
كيف يمكن الاستدلال بالإمامة الصغرى على الكبرى والإمامة الصغرى تجوز للبر والفاجر كما يذهب له بعض الأئمة من أهل السنة فقد روى الدار قطني: 1784 - حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ النُّعْمَانِىُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَنَانٍ حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ حَدَّثَنَا الأَشْعَثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الصَّلاَةُ وَاجِبَةٌ عَلَيْكُمْ مَعَ كُلِّ مُسْلِمٍ بَرَّ كَانَ أَوْ فَاجَرَ وَإِنْ هُوَ عَمِلَ بِالْكَبَائِرِ وَالْجِهَادُ وَاجِبٌ عَلَيْكُمْ مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ بَرَّ كَانَ أَوْ فَاجَرَ وَإِنْ عَمِلَ بِالْكَبَائِرِ وَالصَّلاَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَمُوتُ بَرٍّ كَانَ أَوْ فَاجِرٍ وَإِنْ عَمِلَ بِالْكَبَائِرِ ».
وفي شرح سنن ابن داوود لأبي محمد محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين الغيتابى الحنفى بدر الدين العينى (المتوفى : 855هـ) قال: وقد روى الدارقطني بإسناده إلى أبي هريرة: " سَيليكم بعدي ولاةٌ ، فاسمعوا لهم وأطيعوا فيما وافق الحق، وصلُّوا وراءهم، فإن أحسنوا فلهم، وإن أساءوا فعليهم " .
واستفيد من الحديث: جواز الصلاة خلف البر والفاجر. وكان بعض السلف يُصلون في بيوتهم في الوقت ثم يُعيدون معهم؛ وهو مذهب مالك. وعن بعض السلف: لا يعيدون؛ قال النخعي: كان عبد اللّه يُصلي معهم إذا أخروا عن الوقت قليلا، ويرى أن مأثم ذلك عليهم.
وروى ابن ماجه (4) بسند صحيح، عن ابن مسعود قال: قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سَتُدركون أقوامًا يُصلون الصلاة لغير وقتها، فإن أدركتموهم فصلوا في بيوتكم للوقت الذي تعرفون، ثم صلوا معهم واجعلوها سبحة " .
ولكن يمكن أن يرد على هذا الوجه أنه وإن كانت الصلاة تجوز خلف البر والفاجر إلا أن ذلك على نحو الجواز العام لو تم دليله، ولكن حتى مع صحة الدليل لا يتصور أن النبي يقوم بالأمر المباشر لشخص بالصلاة وهو يعلم فسقه وفيهم البر والعدل.
نعم ارتفاع الإشكال من هذه الجهة لا تعني وقوع صلاته خارجا فما سبق ولحق من إشكالات كافية في الجواب
الأمر الثالث:
لو كانت صلاة أبي بكر لها دلالة على الاستخلاف والخلافة لما أنكر ذلك عمر بأن النبي لم يستخلف أحدا ففي مسند أحمد: "329- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ وَعَفَّانُ قَالاَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَوْدِىِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِىِّ حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ بِالْبَصْرَةِ قَالَ أَنَا أَوَّلُ مَنْ أَتَى عُمَرَ حِينَ طُعِنَ فَقَالَ احْفَظْ عَنِّى ثَلاَثاً فَإِنِّى أَخَافُ أَنْ لاَ يُدْرِكَنِى النَّاسُ أَمَّا أَنَا فَلَمْ أَقْضِ فِى الْكَلاَلَةِ قَضَاءً وَلَمْ أَسْتَخْلِفْ عَلَى النَّاسِ خَلِيفَةً وَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِى عَتِيقٌ . فَقَالَ لَهُ النَّاسُ اسْتَخْلِفْ. فَقَالَ أَىَّ ذَلِكَ أَفْعَلُ فَقَدْ فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّى إِنْ أَدَعْ إِلَى النَّاسِ أَمْرَهُمْ فَقَدْ تَرَكَهُ نَبِىُّ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ وَإِنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدِ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّى أَبُو بَكْرٍ"
فلو أن الصلاة بأمر النبي فيها دلالة على استحقاق الخلافة لما حق لخليفة عمر أن ينسب أن أمر الخلافة قد تركه النبي للناس وأما ما النسائي والحاكم عن عمر أنه قد قال في السقيفة يا معشر الأنصار ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أبا بكر أن يؤم الناس؟ فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر، فقالت الأنصار: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر
فيرده أنه لو كان الأمر بمعنى أنه استحقاق أبي بكر للخلافة بدعوى الصلاة بأمر النبي لما خالف ذلك الأنصار وهو يعلمون بالحال بناء على عدالتهم بل ولما صح لأبي بكر دفع الخلافة في السقيفة لعمر أو لأبي عبيدة كما في الرواية قوله: فبايعوا عمر بن الخطاب أو أبا عبيدة بن الجراح .
بل أن غالبية المصادر التي تذكر قصة السقيفة لا تذكر مقولة عمر في صلاة أبي بكر ولو كانت على قدر من الأهمية بحيث تثبت استحقاقه للخلافة لما عداه أحد من مؤرخي السنة ورواتهم، ولكن يبدو أن إمامة أبي بكر للصلاة لو صح لا يشكل الدليل الواضح على استحقاقه للصلاة بجدارة.
بهذا المقدار اكتفي في الرد على من ذهب لاستحقاق الخليفة الأول الإمارة والخلافة بالصلاة جماعة بأمر النبي صلى الله عليه وآله، وإن كانت هناك ردود أخرى يمكن إضافتها ولكن تجنب للإطالة اجتنبناها.
والحمد لله رب العالمين
..................