الخميس، 6 يناير 2011

قف وتأمل في بدنك قليلا (1)

قف وتأمل في بدنك قليلا (1)
{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}(فصلت/53)
عندما يتأمل المرء في نفسه وينظر إلى أعلاه وإلى أسفله فإن بعض أعضاء جسمه توحي له بالشرفية والبعض الآخر يوحي له بالوضعية ويجد أن ما به الشرفية قد ركب في أعلى بدنه ومن أشرفها العقل وأن من أوضع أعضاءه مخارج طعامه وشرابه وقد وضعت في الأسفل وكأنما هي إشارة إلى الإنسان أنه كلما أراد أن يرقى ويتقدم فعليه بالاهتمام بما هو في أعلاه وكلما أراد أن الإنسان أن ينتكس فيكون مصب اهتمامه مخارج شهواته.
فالعقل لا يخرج منه إلا ما يزكي وينمي الإنسان ويبني ذاته أما مخارج شهواته فلا ينصب منها إلا القذر والنتن الذي يتعفف الإنسان من ملامسته حتى أن الشريعة حكمت بنجاسته المادية علامة على خسته وهي توجب التطهر منه تنزيها للإنسان عن علائق المادة التي أهتم بشأنها فكان ما زاد على حاجة بدنه أقذر ما كان فكأن الشرعة تقول للإنسان لا تكثر مما يزيد في ضعتك فليس مآل الزيادة منه إلا زيادة في الضعة والخسة
أما العقل فيهتم بالكمال المعنوي فيرفع من قيمة الإنسان مهما كان منبته وكلما زاد في بناء عقله لم يزدد إلا كمالا ورفعة فاهتمت الشريعة به أيما اهتمام
فقد روي عن أبي جعفر عليه السلام؛ قال لما خلق الله العقل استنطقه ثم قال له اقبل فاقبل ثم قال له أدبر فأدبر। ثم قال وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا هو أحب إلي منك।ولا أكملتك إلا فيمن أحب । أما إني إياك أمر। وإياك أنهى. وإياك أعاقب . وإياك أثيب
.
هذا هو شأن العقل أما ما يخرج من فضلات الإنسان فهي لا تدل على ضعة الإنسان المادية مهما علا شأنه أو زاد غناه

الأحد، 5 ديسمبر 2010

شيء من العفاف الزينبي

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطاهرين
نعتقد نحن الشيعة بأن زينب عليها السلام هي دون أمها الزهراء عليها السلام مرتبة ولكن ما نعتقده كذلك أنها لم تحيد عن خطى أمها قيد أنملة وبذلك فهي تشكل قدوة النساء على جميع الأصعدة من بناء الذات أو صنع المجتمع، خصوصا مع ملاحظة قصر حياة أمها المضطهدة والطول النسبي لحياة زينب مع اختلاف الأحداث والظروف المحيطة.
ويصعب بمكان من الإمكان أن ندرس جميع جوانب الحياة الشريفة لبطلة كربلاء ولكن قد نأخذ قبس من ضيائها ينير لنا ما كانت توحيه للمرأة المسلمة كلما خطت خطوة على أرض الشهادة المقدسة، فزينب عليها السلام أثبتت أنها المرأة القادرة على تغيير التاريخ وأن بإمكان المرأة أن تكون محركا للحياة من جانبه الإيجابي من دون أن تتخلى المرأة بأي قيد من قيود الثوابت الدينية، بل أن ما نراه قيدا يوقف المرأة عن التحرك في المجتمع بالشكل الإيجابي جعلته زينب المحرك لتغيير المجتمع.
من هذه المحركات هو العفاف الزينبي، فلا أشكال أنها عليها السلام في أعلى سلم العفاف وأرقاه بحيث أنها المصونة التي يقل اختلاطها بالرجال إلى أضيق الحدود ومع هذا فهي عندما يضطر بها الحال إلى الاختلاط تكون في أعلى قمة الاحتشام والعفاف، وتحوّل من دائرة الاختلاط القهري في الاتجاه السلبي إلى الاتجاه الإيجابي في صنع الإنسان وتغيير حركة التاريخ، فهي على باب خيمتها تراقب سير المعركة البطولية لأخيها الإمام الحسين عليه السلام تترقب دورها الفاعل فيما بعد انتهاء المعركة لم يكن في خلدها بأنها ستتنازل عن شيء من عفافها وحشمتها بداعي الاختلاط القهري، بل على عكس ذلك فهي أثبتت في كل ميدان من ميادين الجهاد الذي يحتاج إلى أكبر قدر من مجابهة الظالم ولزوم منابذته والتحدث إليه أنها بعفافها جابهته وبحشمتها نابذته، أنها جاهدت الظالم وفي قعر داره في دار يزيد بن معاوية بن أبي سفيان لعنهم الله ومع ذلك ففي هذه اللحظات العصيبة تربعت على عرش عفافها وحشمتها لم تتنازل عنه قيد أنملة.
هذه هي السيدة القدوة زينب بنت أمير المؤمنين عليهما السلام قد أسقطت كل دعاوى خلع العفاف والحشمة عندما تكون المرأة جزء من محركية المجتمع بل هي تثبت في آن واحد أن العفاف مغير نحو الاتجاه الإيجابي أما حجة أن التغيير في المجتمع يقتضي التنازل عن بعض قيود الحجاب تسقط بالتزام المرأة القدوة زينب عليها السلام أعلى مراتب العفاف.
في وقتنا المعاصر ينظر البعض إلى الحجاب أنه معوق من معوقات حركة التغيير في المجتمع إذ أن المجتمع في حاجة أكبر من ذي قبل لتواجدها فيه على جميع الأصعدة فأصبحت المرأة على قدر المساواة مع الرجل في أغلب الميادين العلمية والعملية، فهي تلتقي صباح مساء بالرجل في أروقة الدراسة والعمل ويصعب بمكان من الإمكان الفصل بينهما، فالمواجهة والتحدث والاختلاط بشكل عام أصبح ضرورة من ضرورات المجتمع المعاصر وهذا ما يقتضي رفع بعض قيود الحجاب الإسلامي لكي نعطي للمرأة المساحة الكافية بما يناسبها في التحرك في المجتمع.
كلام قد يكون منمقا ومرتبا يدغدغ مشاعر المرأة الشغوفة بالتخلي عن الحجاب بشكل تدريجي أو حتى دفعة. بشكل تدريجي عندما تلاحظ أن المجتمع لا يزال الحاكم بشكله التقليدي على المرأة، وبشكل دفعي عندما يتخلى المجتمع عن حاكميته بجعل كل أنماط الحياة تحت تصرف الفرد.
والمثال على ذلك عندما ننظر للنظام القروي العام والنظام المدني العام ففي نظام القرية الحاكمية وإن ضعفت نوعا ما فهي لا تزال بيده ولذا نلاحظ أن بعض الفتيات قد تخرج شيئا من شعرها أو تضع بعض مساحيق التجميل على وجهها أو تلبس ما يحجم بعض المفاتن من جسمها أو تلبس ما يجذب أنظار الرجال لها وغير ذلك الكثير. أما في نظام المدنية فإنها تتخلى على لبس الحجاب فتخرج جميع شعرها أو تكون على زينتها التامة أما الرجال بل ولا يعد عندها من الاستخفاف أن تلبس الضيق من ثيابها أو القصير منه.
في وقتنا الراهن يصعب الفك من اختلاط الفكر القروي بالفكر المدني وهذا مما ينبئ بالتحول التدريجي للوضع القروي في المستقبل.
ومن هذا الأفق سيكون العاملين في الحقل الديني من الذكور والإناث في تحد كبير وخطير لإرجاع الأمور إلى نصابها الصحيح. ولكن علينا بالتوجه لأمر هام ألا وهو أن نقطة حاكمية المجتمع أو حاكمية الفرد ليست بالفكرة الصحيحة دينيا إذا ما كنا نريد أن ترجع المرأة إلى أحضان العفاف وترسم من زينب عليها السلام المرأة القدوة في حياتها.
إذ الفكرة الدينية قائمة على حاكمية الله عز وجل المطلقة في عباده وأن زينب عليها السلام كانت في جميع تحركاتها تنظر بعين الله عز وجل لا بعين المجتمع أو الفرد المنقطع عن نظر الله تعالى. فهي عندما تقول ليزيد عليه اللعنة: فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا يرحض عنك عارها، وهل رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين....
فكيد يزيد وسعي يزيد وجهد يزيد كان في محو الدين بمختلف الأشكال ومن ضمن ما فعل هو محاربة عفاف المرأة بكل السبل والوسائل حتى صار عصر يزيد وما بعده من الملوك والسلاطين عصر المجون والتفسخ الأخلاقي.
وزينب عليها السلام أنذرته بيوم القيامة وهو يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين، ولا ريب أن من ظلم المرأة لنفسها تخليها عن مبادئ عفافها وحجابها، فهي تنحاز مقتربة إلى معسكر يزيد وجلاوزته وتبتعد عن أنصار الحسين وزينب عليهما السلام كلما رفعت قيدا من قيود حجابها، إذ معسكر يزيد يمثل التخلي عن حاكمية الله سبحانه وتعالى أما معسكر الحسين وزينب فهو يمثل الحاكمية المطلقة لله عز وجل.
إذا لا يبقى من دور المجتمع والفرد إلا كونهما رقيبين على أوامر الله ونهيه آمرين بالمعروف وناهين عن المنكر.
أختي المسلمة المؤمنة بالله عز وجل فلتكن زينب عليها السلام هي نورك الذي تستضيئين به من ظلم الدنيا وما يجري فيها محترسة من ذئاب الظلمة التي تتربص بحجابك وعفافك الانهيار فما دامت زينب تتربع على جمال أخلاقك فلن يصلوا إليك إذ هو الجدار الحاجب والحاجز عن أنيابهم ومخالبهم.
والحمد لله رب العالمين

الأربعاء، 27 أكتوبر 2010

همسة توبة

قد يعجب المرء من نفسه عندما يكرر نفس الأخطاء مرة بعد مره
وأعجب من ذلك الرب الرحيم الذي يعفو مرة بعد مرة كلما أخطأ العبد ورجع
ولكن هناك في الخطورة ما يخاف المرء على نفسه عندما يعاود اقتراف الخطأ والذنب مرة أخرى فقد يغفو على الخطأ والذنب ساهيا حتى يدركه الأجل أو تنمحي منه صورة الرجوع بعد التوغل في الخطيئة।
قد يكون تكرار التوبة من الأمور الحسنة للعبد ولكن قد تكون تكرار الخطيئة من الأمور المهلكة للعبد।
إلى هنا عليك أن تقف وقفة تأمل فإن تكرار التوبة يدخل في النفس حس الندم وتأنيب الضمير ولكن قد يكون تكرار الخطيئة يعطي الإصرار على الذنب بنفس الإقدام عن علم فيكون الذنب أعظم درجة كلما عدت له مرة أخرى، ولهذا يحتاج الندم والتوبة مقدارا مضاعفا ودرجات أعلى।
ولكن مع كل هذا فإن الله عفور يتحبب إلى عبده بعد كل ما اقترب أما عظمته وجبروته।
فغفرانك ربنا وأنت القائل يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8) التحريم وقائل في كتابك الكريم إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) البقرة
فيا أيها المذنب فلتقل غفرانك ربنا وإليك المصير

الأحد، 3 أكتوبر 2010

في قريتي سني

قريتي كرزكان معروفة منذ القدم أنها خالصة لأهل البيت عليهم السلام فولائهم جعفري اثنا عشري هكذا كانت وهكذا ستبقى إلى أن تقوم الساعة أو يقوم الظالم بمحو أهلها من على رمالها ليجعلهم أسفلها।
في الآونة الأخيرة اقتطع جزءا من قريتي الشرقي مع امتدادها ليسمى باسم جديد ألا وهو اللوزي ومن هذه البوابة الشرقية سكن العديد من الناس من أهل قريتي الأعزاء ومن خارجها।
تخوف القلّة القليلة من أن بعض الساكنين الجدد من أهل السنة الكرام।
أقول هذا التخوف لا معنى له فلم يكن السني يوما عدوا حتى نخافه ولم يكن خارج الدين حتى نكفره بل هو أخ في الدين عزيز قد حل جارا لنا وله حقوق الجيرة وحسن الضيافة، له ما لنا وعليه ما علينا، لا نسيء إليه بكلمة أو فعل بل نحترمه ونكن له كل معاني الحب من أعماق قلوبنا، فنحفظ من أهله ما نحفظ منه أهلنا ونقوم بمعونته عند الحاجة ونتزاور معه كما نتزاور بيننا... هكذا أدبنا رئيس مذهبنا الأمام الصادق عليه السلام.
فعن معاوية بن وهب،
قال: قلت له: كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين قومنا وبين خلطائنا من الناس ممن ليسوا على أمرنا؟ قال: تنظرون إلى أئمتكم الذين تقتدون بهم، فتصنعون كما يصنعون، فوالله إنهم ليعودون مرضاهم، ويشهدون جنائزهم، ويقيمون الشهادة لهم وعليهم، ويؤدّون الأمانة إليهم

وعن عبد الله بن سنان
قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: أوصيكم بتقوى الله عزَّ وجل، ولا تحملوا الناس على أكتافكم فتذلّوا، إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه ( وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً )، ثم قال: عودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، واشهدوا لهم وعليهم، وصَلُّوا معهم في مساجدهم...

وروايات أهل بيت العصمة متضافرة في هذا المعنى
قريتي الحبيبة لن تكونا يوما ما بؤرة للخلاف والشقاق بين الشيعة والسنة فمن يسكنها يعرف عجينة أهلها الطيبين المتسامحين الودودين।
أخي السني الكريم الساكن في ربوع قريتي نم قرير العين بين أهلك وجيرانك المحبين هانئا ساكنا مطمئنا، فأحضان قريتي الدافئة لا تعرف العنف الديني والشقاق المذهبي

السبت، 26 يونيو 2010

الحمد لله

الكلمة التي تريحك مهما كان الظرف الذي تمر به

Published with Blogger-droid v1.3.6

الخميس، 10 يونيو 2010

رؤوس العالم

من عجائب هذه الدنيا أن ترى الكثير من الرؤوس التي تظهر ثم تختفي فجأة واحدة أو شيئا فشيئا، وما يلبث الزمن أن يظهر رأسا جديدا حتى يخبو آخر।
الدول المتصارعة في هذا العالم تحكي هذا العجب فهناك خمس دول لها القدرة على التحكم في مصير العالم بفرض القرارات أو منعها ولكنها تتفاوات في القوة والضعف، وبالرغم من أنها تظهر القوة إلا أنها تعيش الضعف।
فأمريكا وما أدراك ما أمريكا تحاول جاهدة أن تمسك بجميع خيوط اللعبة الدولية في كل مكان في هذا العالم، تريد أن تقول أنا ربكم الأعلى، ولكنها تعيش دون مستوى الإحتقار الشعوبي في كل العالم، فليس مصيرها بأفضل من الأمم السابقة الغابرة التي وصلت القمة في السلطنة العالمية ثم خبت فجأة أو شيئا فشيئا، فشئنا أم أبينا أمريكا بدأ يخبو نجمها اللامع في القرن الماضي، وأوشكت حبيبات العقد الذي تمسك به أن ينخرط، فلا هي قادرة على أن تقود العالم ولا هي قادرة أن تكبح جماحها في قيادته، فلا إلى هنا ولا إلى هناك بل هي ستكون في البئر الذي حفرته لها من سنين طوال।
أما روسيا الدولة المتأرجحة بين المطامع والمصالح فأغرب ما فيها أنها تريد أن تكون رأسا ولكنها تجعل نفسها عند الذنب، ففي الوقت الذي فيه تحتاج مصالحها أن تفرض رأيها تتغلب عليها مصالحها الآنية كي تكون في الذنب تلتقط بعر الكبش الإمريكي، وتترك التقام الكافيار الإيراني।
أما الصين فهي صحن من الصين قابل للكسر ما دامت تتقدم ببط تقدم السلحفات في البر فما تبيضه الصين على سواحلها يكاد أن تفترسه التماسيح بعد فقسه فالعالم يتغير ويجري والصين لا زالت تحب أن تحبو أو تزحف।
أما الدولتان المتبقيتان من الخمس فلا داعي لذكرهما فهما كباقي الدول النكرة وجودهما دائما في الذنب ذلك الذنب الطويل الذي يحوي باقي دول العالم।
خرج من هذا الذنب دول رأت أنها قادرة على تغيير مصيرها بنفسها أرادت أن تضع رأسها في المقدمة لأنها تأنف أن تشم رائحة مؤخرات الآخرين।
في مقدمة تلك الدول الجمهورية الإسلامية الإيرانية وتتبعها اليوم تركيا والبرازيل وقد سبقتهما دول أخرى قليلة، ولكن مع قلتهم إلا أنهم أصبحوا رؤوسا لا يشمون عوادم مؤخرات الدول الكبرى।
فإذا كنت تريد أن تكون رأسا فلا تكن رقبتك ذيلك
والنصر لغزة العزة قادم بإذن الله

الثلاثاء، 18 مايو 2010

حكاية داري الصغيرة

يحكى أنّ رجلا جاب الصحراء تشردا صلف جاف، يحب نفسه كثيرا ويرى في نفسه أكثر إلى حد يستحي داء العظمة أن يوصف به، كان يبحث عن مأوى يسكن إليه يكون فيه هو السيد والباقي عبيد له.
غريب هذا الشخص ففي عين احتياجه عين تكبره وغطرسته، ولكن القدر كان معه عندما وقعت عينه اليسرى على دار الأرملة ذات الأربعة أولاد، الأرملة التي لا سند لها ولا عزوة سوى هؤلاء الصغار بنتان وابنان.
دارها كانت تحوي أربعة غرف وفيها ثلاثة حمامات وصالة صغيرة غير مطلة على الشارع بل كل باب الغرف فيها وكأنها طريق عام، وفي الدار أيضا فناء صغير يسع لستة أفراد، هكذا كانت الدار قبل اقتحامه لها على حين غرة.
مضت سنوات والمرأة وأولادها أسراء ذلك الرجل الغاصب فأول حكمه عليهم أنه جعلهم كلهم ينامون كلهم في غرفة واحده، كان يقول في نفسه " الإسراف هدر للمال "
هو مستبد في الرأي وعلى الكل طاعته، ومع هذا كان يعطيهم الرخصة للنقاش فيما بينهم وربما استنكروا عليه آرائه واستبداده، فحين يسترق السمع يسمع ما يتنابزون ويلمزون، وهم في الجرأة على التصريح معه بكل ما يختلج في صدورهم ضعاف، لأنهم يخافون بطشه وسطوته.
الدار فيها غرفتان لا حاجة لهما ولكن إذا دمجهما مع غرفته يكون قد انتهى من التفكير في وجود ما لا معنى له، غرفة له وغرفة للأرملة هذا عين العدل هكذا كان يقول في نفسه، ومع هذا فالغرفة الكبيرة تحتاج على حمام يتناسب مع حجمها فإذا دمج حمامين فإن الهندسة المعمارية تكون متناسبة ومتناسقة فهو يحب الجمال والتناسق، إنه شاعري.
في يوم من الأيام لم يستطع كبح نزوته وغريزته في الملك والسيطرة فقررأن يدخل الدار حارسا شخصيا غريبا كي يكون في مأمن من انقلاب أولاد الأرملة عليه عندما يضيق بهم الحال لكثرة قراراته المجحفة بهم، ولكن لما كانت الدار ضيقة بعد التعديلات الأخيرة وافق الحارس في بادئ الأمر أن ينام في إحدى الغرفتين وطبعا الصغيرة منهما، واحتار في أي مكان يسكن الأولاد إذ ضاق تفكيره بين تسكينهم الفناء والصالة، وفي نهاية المطاف استقر رأيه على الصالة خوفا عليهم من حرارة الشمس في الصيف وبرودة الجو في الشتاء، قال في نفسه حينها "كم أنا رحيم بهم إذ لم أسكنهم الفناء"، وظهرت رحمته أكثر حيث لم يفرق بينهم بين أمهم فأسكنها معهم على الرغم من عدم وجود المودة بينهما ولكن رحمته واسعة، هكذا كان يفكر ويقول في نفسه "كم انأ عطوف".
جلس السلطان مع حارسه الشخصي فقال له: "غرفتي في داري الصغيرة واسعة إذ سعتها تساوي ثلاثة أرباع الدار وربما أكثر، فمن الظلم على نفسي أن أبقى وحيدا فيها، وأعتقد أن ليس للأولاد حق الاعتراض إذ عليهم مقابلة إحساني بالموافقة والترحيب بكل ما أقرره، وعلى هذا الأساس قررت أن أتزوج بزوجة ثانية صغيرة حلوة الملامح علني أنجب منها أطفالا صغارا يكونون أحفظ عليّ وعلى منجزاتي من أولاد الأرملة".
جرى بينه وبين حارسه الشخصي حوار حول مستقبل السلطنة على الدار، وفي الحوار طلب الحارس على نحو الاقتراح أن يسمح له بالزواج حتى يزداد عدد حفاظي من كل مكروه يحيط به الآن وفي المستقبل، فقال في نفسه " أنا السلطان وأنا الحاكم وأنا القائد، إذا أنا مستهدف لا محالة، إذ كل الناس يطمعون في سلطاني، وهذا الحارس يقول عين الصواب" وبسرعة أجابه لطلبه.
فصارت في الدار ثلاث عائلات خاصة السلطان المرفهة وعائلة الحارس وأولاد الأرملة البؤساء.
بعد مدة من الزمان قال السلطان "أنا الآن جالس على أريكة حكمي مستأسدا يحيطني ذئاب وفهود ورعيتي أناس بسطاء يحبون عطاياي ففتاة خبزي يكفيهم ولكني كنت أعطيهم العظم يلحسونه كي لا يحرموا من مذاق اللحم مع الخبز"
ها هي قصة داري الصغيرة والتي لم تنتهي فصولها بعد، فماذا سيجري في مستقبل الأيام؟
أنا السلطان أفكر الآن كيف ستكون مستقبل حياة رعيتي.