قال تعالى ﴿وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ﴾ [الأنعام : 120]العقل البشري بما منحه الله من قوة التمييز بين الحق والباطل لقوله تعالى ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ [البلد : 10] لا تبقى عنده الحجة على فعل المعاصي فبعقله يدرك القبيح ويدرك الحسن ، وإدراكه هذا هو الذي يميزه عن بقية المخلوقات العجماوية وعلى هذا العقل يحاسب الإنسان يوم الطامة الكبرى فيكتب إما مع السعداء أو في الأشقياء.
إلا أن الكثير من الناس ربما ادعوا ان الأفعال ليست كلها بمستوى واحد بالنسبة للعقل فبعضها مما لا يختلف عليه اثنان على قبحه كفعل السرقة والفساد في الأرض والعدوان على الغير، وبعضها مما يصعب على الإنسان تمييزه أهو من فعل القبيح ام لا؟ كأكل لحم الخنزير أو الميتة أو الطير الذي يكون صفيفه أكثر من دفيفه وغير ذلك، إذ العقل لو خلي لوحده لما أدرك ذلك.هذا الأمر صحيح إذ العقل لولا الشرع لما أدرك الكثير من الأحكام إذ الأحكام تتعلق بملاكات المصلحة والمفسدة تكون غالبها خفية على الناس والعالم بها الله وحده، ولكن العقل وإن كان لا يدرك ذلك إلا أنه يدرك كيف يختار الشرع الحق فالبعقل يدرك وجوب التوحيد وبالعقل يدرك ضرورة النبوة وبالعقل يدرك وجوب وجود الحافظ على الرسالة بعد النبوة ومن هذه المنابع الثلاثة يأتي الشرع بأحكامه المختلفة حلالها وحرامها وعليه فالعقل يكون محاسبا على ما يدركه مباشرة من ذنوب ظاهره ومحاسبا على ما خفي عنه من الذنوب التي لا يدكها مباشرة بل تكون هي باطن الإثم إلا ان الشرع قد ميزها له وبينها وفصلها تفصيلا فإذا جانب الشرع الذي يكون اتباعه بدلالة العقل فقد أوقع نفسه في بواطن الإثم ولا تقبل حجته في عدم إدراكه للإثم مباشرة.
فإذا أراد الإنسان أن ينقي نفسه من شوائب الذنوب ويعلق نفسه بحبل بالله عز وجل عليه أن يلتزم الشرع فيضع قدمه على السراط المستقيم ويجعل بذلك في قلبه نور الهداية الربانية التي تضيء له طريق الكمالات المتتاليه، ولا يتصور إنسان أن يتعلق بحبل الله في ظلمات الليل في هذا الشهر وغيره من دون أن يجعل له نورا في قلبه فليالي شهر رمضان وبالخصوص ليلة القدر منه مع ما لها من خصوصية سرعة التقرب إلى الله إلا أنها متوقفة على أن يبدأ الإنسان فيها بغسل جسده وقلبه من الذنوب الظاهرة والباطنة، فالاستغفار والتوبة النصوحة بما لها من شروط والتمسك بشرع الله المنزل على نبيه صلى الله عليه وآله هي أول الطريق للسالك إلى الله في هذه الليالي وهذا ما تؤكده الأدعية المأثورة عن أهل بيت العصمة خصوصا أدعية السحر وأدعية ليالي القدر، وأما من يريد أن يتعب نفسه في السهر والقراءة في ليلة القدرإلى الفجر ولم ينو ترك ما تعلق به القلب من بواطن الإثم وظواهره فلا يعدو كونه محركا للسانه وشفتيه متمتما بكلمات تخرج من فيه فتسقط على الأرض، وأما ذاك الإنسان الذي عمد إلى نفسه فهذبها بالتوبة والاستغفار فإن ظلمة ليالي شهر رمضان تكون له نورا لا يرى فيها إلا جمال الله وبهائه، وكل كلمة تخرج من فيها تسبيح وتقديس ترفعه من مقام إلى مقام أرقى وأسمى عند الله عز وجل.فهلم بنا نتوب إلى بارئنا وخالقنا بتوبة نصوحة قبل فوات الأوان فلعله لا ندرك شهر رمضان المقبل ولا ليلة قدره، ومن فاتته التوبة في هذا الشهر الكريم فقد دخل في الأشقياء ومن أدركته التوبة فقد دخل في السعداء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق