في ليلية الخميس وهي آخر ليلة من ليالي ذي القعدة اجتمع الرجال والشباب لتوديع عزيز وحبيب من أحباء قريتنا العزيزة الشاب علي ابن الشيخ حسن الشاخوري، وليس بالغريب أن تجد دموعا من عين أب أو عم أو أخ أو قريب أو شاب أو شيخ تجري على خدوده.
كنت جالسا بالقرب من فضيلة الشيخ عيسى عيد ننظر إلى قبره بعدما وُرِيَ الثرى، قال لي أن كلمة من خطيب قريتنا المفوه الشيخ مهدي ملا حسن أعجبته يقول في أحد مجالسه أن المصيبة إذا وقعت بفقد حبيب أو عزيز تقع كبيرة جدا ولكنها ما تلبث بتقادم الزمان أن تصغر وتصغر إلا مصيبة أبي عبد الله الحسين عليه السلام فهي لا تصغر مهما تقادم الزمان، وفي صباح يوم الخميس رقى منبر التعزية على روح العزيز عمه فضيلة الشيخ خليل الشاخوري وبعد شكره للمعزين والمواسين لهم في مصابهم الجلل جاعلا ذلك مدخلا لمن اعتادت عيونه حفر القنوات على خدوده من سيل دموعه على مصيبة هي أعظم المصائب مصيبة أبي عبد الله الحسين عليه السلام مذكرا الناس بأن زينب عليها السلام في ليلة مصيبتها وفقدها للأحبة والأعزة لم يواسيها أحد، فأجهش الحضور بالبكاء.
هذا البكاء بهذه المرارة والغزارة لم أره قط في أي مصيبة من مصائبنا الشخصية التي تمر علينا نحن الشيعة إلا في مجالس الحسين وأهل بيته عليهم السلام। فأي سر يحويه هذا البكاء بحيث يكون متفجرا في أشد حالاته حينما يلون بدم الحسين عليه السلام ويخبو وينقطع حينما يبتعد عن لون الحسين عليه السلام؟
الفرض الأول:
أن يقال لنا بأننا ذوات عواطف جياشة فنقول بأن هذا ليس بمقنع، فلسنا فريدين في هذا الكون نختزل العاطفة في نفوسنا وتنقطع عن باقي البشر، فنحن كباقي البشر نملك نفس المشاعر والعواطف، ولكننا نظل نبكي ولا ينقطع بكائنا بنفس الحرارة في كل ذكرى لأهل البيت عليهم السلام وينقطع عند الناس بكائهم على مصائبهم بتقادم الزمان عليها حتى لا يبقى منها في أكابرها إلا ذكر اسمها واحتفالا يخلوه الصراخ والعويل والبكاء।
الفرض الثاني:
أن يقال بأن حبكم للحسين وأهل بيته عليهم السلام يفوق حبكم لأنفسكم وأهليكم، وشدة الحب التي تفوق وله العشاق تجعل مصيبته حاضرة لكم فكلما تذكرتموه بكيتم عليه كبكاء الأم الفاقدة لوحيدها فإنه يجاب بما أجبنا عليه آنفا فإن ذلك غير كاف إذ أن الكثير من البشر يذوبون في معشوقهم بل يصل الحال ببعضهم أن ينتحروا ليحرروا أنفسهم من قيد حبهم فيتخلصوا من حياتهم وعشقهم في آن واحد ولكن أمثال هؤلاء أفراد، ونحن نتكلم على طائفة تحوي الملايين كلهم على منوال واحد في البكاء على مصابهم الفريد هذا مع الفارق الكبير بين بكائنا وبكاء فاقد المعشوق الذي يريد أن يخلص نفسه من قيد المعشوقية أما نحن فنتسابق في زيادة قيد المعشوقية ونجتهد في زيادة البكاء ونأنس به كأنسنا بمن يلاقي معشوقه بعد غياب، فكلنا في حال من اللهفة على قدوم أيام عاشوراء كي نطلق لعيوننا العنان فينحدر منها سيول الدموع إلى أودية الوفاء والحب والعشق هذا من جهة ومن جهة أخرى نجد أن الأقوام المليونية من الطوائف الأخرى الاسلامية وغير الاسلامية تعشق قادتها وتحبهم أكثر من حبها لأنفسهم يصل بها الحد للتضحية بالغالي والنفيس من أجله في أثناء حياته وبعد مماته ولكننا لم نجد طائفة من غيرنا تبكي قادتها لفقدهم كبكائنا لفقد قادتنا عليهم السلام فاصبح البكاء لنا عادة ورسما نوصف به وتمييزا لنا عن باقي الطوائف।
الفرض الثالث:
أن يقال أن المصيبة عظيمة تفوق في عظمتها كل المصائب المتصورة لديكم بل أنه لم ولن تمرّ مصيبة عليكم تكون في تكون في تصورها أعظم منها فكل مصيبة هي عندكم أهون منها। ويجاب عليه أن هذا الأمر وإن كان صحيحا بلحاظ أن شخصية الحسين عليه السلام هي من أعظم الشخصيات بالنسبة لدينا على وجه الأرض إذ لا يدانيه في الفضل إلا الأشباح الأربعة السابقة عليه وكل من يلحقه يكون هو أدون منه فضلا ما عدا أولاده الأئمة التسعة المعصومون عليهم السلام، ولكن كون الحسين من أفضل الشخصيات عندنا له مثيل في باقي الطوائف فالمسيحيون يرون أفضلية عيسى ابن مريم عليه السلام على الخلائق وهم يرون أنه قد قتل بأبشع الصور وعذب بأشد أنواع التعذيب، وقد بكى الكثير منهم وتأثروا لما شاهدوا الفيلم المسمى بأللآم المسيح ولكن هذا لم يجعلهم كديانة مسيحية تتخذ البكاء شعارا لها في كل ذكرى لرحيله عندهم। وفي العالم مصائب يراه الناس أنها من أعظم المصائب والكوارث التي تحل على البشرية جراء ظلم بني البشر من حكام الجور فيقتل الألآف في لحظة بأبشع صور القتل والتنكيل لحفظ كيان الديكتاتورية، ولكن مع هذا فإن الزمان كفيل بأن يهون ألم مصابها في نفوس البشر المهتمين بالقضية فضلا عن اللامبالين।
الفرض الرابع: القول بأن الشيعة قد عانت طوال التاريخ الظلم والاستبعاد والقهر والاضطهاد، وهي بذلك تتستر بالدمعة على الحسين عليه السلام تسلية لأنفسهم من جور حكام الزمان। هذا قول لو تنزلنا وقلنا بصحته لا يرقى لأن يجيب على استمرار البكاء إلى زماننا هذا الذي نعيش فيه زهوة النصر على أعدائنا بقيام الدولة الإسلامية في إيران وانتصارات حزب الله على إسرائيل اللقيطة، فإننا نلحظ الزخم الكبير الذي تعتني به إيران المحافظة على هذه الدمعة، والتعلق بعرى الحسين عليه السلام لا يزال ظاهرا في حزب الله تقوده الدمعة وتسقيه العبرة।
ولو أردنا أن نسترسل لأخرجنا فروضا عدة لا تفي بالإجابة على سر البكاء عند الشيعة الإمامية ولكن اختصارا نذكر أمرين يكونان من متممات الفروض السابقة التي بهما يشكلان الحلقة المفقودة في فهم سر بقاء البكاء حتى يومنا هذا.
الأمر الأول: أن هناك سلوكا من الفعل والقول من قبل أهل البيت عليهم السلام سبق ولحق واقعة كربلاء كان يؤصل للبكاء كمنهج عام للتعامل مع الحسين عليه السلام يربط الموالين به برباط عقائدي وشرعي। وهذا السلوك من قبل أهل البيت عليهم السلام قد مورس بأكثر من قرنين ونصف، بحيث أن أصحاب الأئمة ومن لحقهم جيلا بعد جيل أصبح البكاء عندهم كالملكة النفسانية عند ذكر مصاب أهل البيت ينقادون له كانقياد الرضيع إلى محالب أمه. وللاستشهاد بذلك نصنف الروايات إلى قسمين :
القسم الأول: الأقوال والأفعال الصادرة من أهل البيت العصمة قبل فاجعة كربلاء منها:
1. عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ حُلُماً مُنْكَراً، قَالَ: وَمَا هُوَ، قَالَتْ: إِنَّهُ شَدِيدٌ، قَالَ: وَمَا هُوَ، قَالَتْ: رَأَيْتُ كَأَنَّ قِطْعَةً مِنْ جَسَدِكَ قَدْ قُطِعَتْ وَوُضِعَتْ فِي حَجْرِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: خَيْراً رَأَيْتِ تَلِدُ فَاطِمَةُ غُلَاماً فَيَكُونُ فِي حَجْرِكِ فَوَلَدَتْ فَاطِمَةُ عليها السلام الْحُسَيْنَ عليه السلام، قَالَتْ: وَكَانَ فِي حَجْرِي كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ فَدَخَلْتُ بِهِ يَوْماً عَلَى النَّبِيِّ فَوَضَعْتُهُ فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله ثُمَّ حَانَتْ مِنِّي الْتِفَاتَةً فَإِذَا عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ تُهْرِقَانِ بِالدُّمُوعِ، فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَكَ، قَالَ: أَتَانِي جَبْرَئِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ أُمَّتِي يَقْتُلُ [تَقْتُلُ] ابْنِي هَذَا وَأَتَانِي بِتُرْبَةٍ حَمْرَاءَ مِنْ تُرْبَتِهِ.
2. عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله ذَاتَ يَوْمٍ جَالِساً وَالْحُسَيْنُ جَالِسٌ فِي حَجْرِهِ إِذْ هَمَلَتْ عَيْنَاهُ بِالدُّمُوعِ فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لِي أَرَاكَ تَبْكِي جُعِلْتُ فِدَاكَ قَالَ جَاءَنِي جَبْرَئِيلُ فَعَزَّانِي بِابْنِيَ الْحُسَيْنِ وَأَخْبَرَنِي أَنَّ طَائِفَةً مِنْ أُمَّتِي تَقْتُلُهُ لَا أَنَالَهَا اللَّهُ شَفَاعَتِي.
3. عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: كَانَ الْحُسَيْنُ مَعَ أُمِّهِ تَحْمِلُهُ فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وَقَالَ: لَعَنَ اللَّهُ قَاتِلَكَ وَلَعَنَ اللَّهُ سَالِبَكَ وَأَهْلَكَ اللَّهُ الْمُتَوَازِرِينَ عَلَيْكَ وَحَكَمَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَ مَنْ أَعَانَ عَلَيْكَ، قَالَتْ فَاطِمَةُ الزَّهْرَاءُ: يَا أَبَتِ أَيَّ شَيْءٍ تَقُولُ، قَالَ: يَا بِنْتَاهْ ذَكَرْتُ مَا يُصِيبُهُ بَعْدِي وَبَعْدَكِ مِنَ الْأَذَى وَالظُّلْمِ وَالْغَدْرِ وَالْبَغْيِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ فِي عُصْبَةٍ كَأَنَّهُمْ نُجُومُ السَّمَاءِ يَتَهَادَوْنَ إِلَى الْقَتْلِ وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُعَسْكَرِهِمْ وَإِلَى مَوْضِعِ رِحَالِهِمْ وَتُرْبَتِهِمْ، قَالَتْ: يَا أَبَهْ وَأَيْنَ هَذَا الْمَوْضِعُ الَّذِي تَصِفُ، قَالَ: مَوْضِعٌ يُقَالُ لَهُ كَرْبَلَاءُ وَ هِيَ دَارُ كَرْبٍ وَ بَلَاءٍ عَلَيْنَا وَ عَلَى الْأُمَّةِ يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ شِرَارُ أُمَّتِي لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ شَفَعَ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرَضِينَ مَا شُفِّعُوا فِيهِ وَ هُمُ الْمُخَلَّدُونَ فِي النَّارِ قَالَتْ يَا أَبَهْ فَيُقْتَلُ قَالَ نَعَمْ يَا بِنْتَاهْ وَ مَا قُتِلَ قَتْلَتَهُ أَحَدٌ كَانَ قَبْلَهُ وَ يَبْكِيهِ السَّمَاوَاتُ وَ الْأَرَضُونَ وَ الْمَلَائِكَةُ وَ الْوَحْشُ وَ النَّبَاتَاتُ وَ الْبِحَارُ وَ الْجِبَالُ وَ لَوْ يُؤْذَنُ لَهَا مَا بَقِيَ عَلَى الْأَرْضِ مُتَنَفِّسٌ وَ يَأْتِيهِ قَوْمٌ مِنْ مُحِبِّينَا لَيْسَ فِي الْأَرْضِ أَعْلَمُ بِاللَّهِ وَ لَا أَقْوَمُ بِحَقِّنَا مِنْهُمْ وَ لَيْسَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ غَيْرُهُمْ أُولَئِكَ مَصَابِيحُ فِي ظُلُمَاتِ الْجَوْرِ وَ هُمُ الشُّفَعَاءُ وَ هُمْ وَارِدُونَ حَوْضِي غَداً أَعْرِفُهُمْ إِذَا وَرَدُوا عَلَيَّ بِسِيمَاهُمْ وَ كُلُّ أَهْلِ دِينٍ يَطْلُبُونَ أَئِمَّتَهُمْ وَ هُمْ يَطْلُبُونَنَا لَا يَطْلُبُونَ غَيْرَنَا وَ هُمْ قِوَامُ الْأَرْضِ وَ بِهِمْ يَنْزِلُ الْغَيْثُ فَقَالَتْ فَاطِمَةُ الزَّهْرَاءُ ع يَا أَبَهْ إِنَّا لِلَّهِ وَ بَكَتْ فَقَالَ لَهَا يَا بِنْتَاهْ إِنَّ أَفْضَلَ أَهْلِ الْجِنَانِ هُمُ الشُّهَدَاءُ فِي الدُّنْيَا بَذَلُوا أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا......
4. فِي مُثِيرِ الْأَحْزَانِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ ص مَرَضُهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ ضَمَّ الْحُسَيْنَ ع إِلَى صَدْرِهِ يَسِيلُ مِنْ عَرَقِهِ عَلَيْهِ وَ هُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ وَ يَقُولُ مَا لِي وَ لِيَزِيدَ لَا بَارَكَ اللَّهُ فِيهِ اللَّهُمَّ الْعَنْ يَزِيدَ ثُمَّ غُشِيَ عَلَيْهِ طَوِيلًا وَ أَفَاقَ وَ جَعَلَ يُقَبِّلُ الْحُسَيْنَ وَ عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ وَ يَقُولُ أَمَا إِنَّ لِي وَ لِقَاتِلِكَ مُقَاماً بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ
5. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كُنْتُ مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع فِي خَرْجَتِهِ إِلَى صِفِّينَ فَلَمَّا نَزَلَ بِنَيْنَوَى وَ هُوَ بِشَطِّ الْفُرَاتِ قَالَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ أَ تَعْرِفُ هَذَا الْمَوْضِعَ قُلْتُ لَهُ مَا أَعْرِفُهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ ع لَوْ عَرَفْتَهُ كَمَعْرِفَتِي لَمْ تَكُنْ تَجُوزُهُ حَتَّى تَبْكِيَ كَبُكَائِي قَالَ فَبَكَى طَوِيلًا حَتَّى اخْضَلَّتْ لِحْيَتُهُ وَ سَالَتِ الدُّمُوعُ عَلَى صَدْرِهِ وَ بَكَيْنَا مَعاً وَ هُوَ يَقُولُ أَوِّهْ أَوِّهْ مَا لِي وَ لِآلِ أَبِي سُفْيَانَ مَا لِي وَ لآِلِ حَرْبٍ حِزْبِ الشَّيْطَانِ وَ أَوْلِيَاءِ الْكُفْرِ صَبْراً يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فَقَدْ لَقِيَ أَبُوكَ مِثْلَ الَّذِي تَلْقَى مِنْهُمْ....
6. عَنِ الْقَدَّاحِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ ع قَالَ مَرَّ عَلِيٌّ بِكَرْبَلَاءَ فِي اثْنَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ قَالَ فَلَمَّا مَرَّ بِهَا تَرَقْرَقَتْ عَيْنَاهُ لِلْبُكَاءِ ثُمَّ قَالَ هَذَا مُنَاخُ رِكَابِهِمْ وَ هَذَا مُلْقَى رِحَالِهِمْ وَ هَاهُنَا تُهَرَاقُ دِمَاؤُهُمْ طُوبَى لَكِ مِنْ تُرْبَةٍ عَلَيْكِ تُهَرَاقُ دِمَاءُ الْأَحِبَّةِ
7. عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ع قَالَ مَا مِنْ عَبْدٍ قَطَرَتْ عَيْنَاهُ فِينَا قَطْرَةً أَوْ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ فِينَا دَمْعَةً إِلَّا بَوَّأَهُ اللَّهُ بِهَا فِي الْجَنَّةِ حُقُباً
القسم الثاني: الأقوال والأفعال الصادرة من أهل البيت العصمة بعد فاجعة كربلاء منها:
1. عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع يَقُولُ أَيُّمَا مُؤْمِنٍ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ لِقَتْلِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ دَمْعَةً حَتَّى تَسِيلَ عَلَى خَدِّهِ بَوَّأَهُ اللَّهُ بِهَا فِي الْجَنَّةِ غُرَفاً يَسْكُنُهَا أَحْقَاباً وَ أَيُّمَا مُؤْمِنٍ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ دَمْعاً حَتَّى يَسِيلَ عَلَى خَدِّهِ لِأَذًى مَسَّنَا مِنْ عَدُوِّنَا فِي الدُّنْيَا بَوَّأَهُ اللَّهُ مُبَوَّأَ صِدْقٍ فِي الْجَنَّةِ وَ أَيُّمَا مُؤْمِنٍ مَسَّهُ أَذًى فِينَا فَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ حَتَّى يَسِيلَ دَمْعُهُ عَلَى خَدَّيْهِ مِنْ مَضَاضَةِ مَا أُوذِيَ فِينَا صَرَفَ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ الْأَذَى وَ آمَنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَخَطِهِ وَ النَّارِ.
2. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ كَيْفَ صَارَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمَ مُصِيبَةٍ وَ غَمٍّ وَ جَزَعٍ وَ بُكَاءٍ دُونَ الْيَوْمِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَتْ فِيهِ فَاطِمَةُ ع وَ الْيَوْمِ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع وَ الْيَوْمِ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ الْحَسَنُ ع بِالسَّمِّ فَقَالَ إِنَّ يَوْمَ قُتِلَ الْحُسَيْنُ ع أَعْظَمُ مُصِيبَةً مِنْ جَمِيعِ سَائِرِ الْأَيَّامِ وَ ذَلِكَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكِسَاءِ الَّذِينَ كَانُوا أَكْرَمَ الْخَلْقِ عَلَى اللَّهِ كَانُوا خَمْسَةً فَلَمَّا مَضَى عَنْهُمُ النَّبِيُّ بَقِيَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ فَاطِمَةُ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ ع فَكَانَ فِيهِمْ لِلنَّاسِ عَزَاءٌ وَ سَلْوَةٌ فَلَمَّا مَضَتْ فَاطِمَةُ ع كَانَ فِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ ع لِلنَّاسِ عَزَاءٌ وَ سَلْوَةٌ فَلَمَّا مَضَى مِنْهُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ لِلنَّاسِ فِي الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ ع عَزَاءٌ وَ سَلْوَةٌ فَلَمَّا مَضَى الْحَسَنُ ع كَانَ لِلنَّاسِ فِي الْحُسَيْنِ عَزَاءٌ وَ سَلْوَةٌ فَلَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ الْكِسَاءِ أَحَدٌ لِلنَّاسِ فِيهِ بَعْدَهُ عَزَاءٌ وَ سَلْوَةٌ فَكَانَ ذَهَابُهُ كَذَهَابِ جَمِيعِهِمْ كَمَا كَانَ بَقَاؤُهُ كَبَقَاءِ جَمِيعِهِمْ فَلِذَلِكَ صَارَ يَوْمُهُ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ مُصِيبَةً......
3. عَنِ ابْنِ خَارِجَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ كُنَّا عِنْدَهُ فَذَكَرْنَا الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ ع وَ عَلَى قَاتِلِهِ لَعْنَةُ اللَّهِ فَبَكَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع وَ بَكَيْنَا قَالَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ ع أَنَا قَتِيلُ الْعَبْرَةِ لَا يَذْكُرُنِي مُؤْمِنٌ إِلَّا بَكَى.
4. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَّانَ عَنِ ابْنِ أَبِي شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَالِبٍ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فَأَنْشَدْتُهُ مَرْثِيَةَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ع فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ
لَبَلِيَّةٌ تَسْقُوا حُسَيْناً بِمِسْقَاةِ الثَّرَى غَيْرِ التُّرَابِ
صَاحَتْ بَاكِيَةً مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ يَا أَبَتَاهْ.
5. عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ إِنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عِنْدَ رَبِّهِ عَزَّ وَ جَلَّ يَنْظُرُ إِلَى مُعَسْكَرِهِ وَ مَنْ حَلَّهُ مِنَ الشُّهَدَاءِ مَعَهُ وَ يَنْظُرُ إِلَى زُوَّارِهِ وَ هُوَ أَعْرَفُ بِهِمْ وَ بِأَسْمَائِهِمْ وَ أَسْمَاءِ آبَائِهِمْ وَ بِدَرَجَاتِهِمْ وَ مَنْزِلَتِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْ أَحَدِكُمْ بِوَلَدِهِ وَ إِنَّهُ لَيَرَى مَنْ يَبْكِيهِ فَيَسْتَغْفِرُ لَهُ وَ يَسْأَلُ آبَاءَهُ ع أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لَهُ وَ يَقُولُ لَوْ يَعْلَمُ زَائِرِي مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ لَكَانَ فَرَحُهُ أَكْثَرَ مِنْ جَزَعِهِ وَ إِنَّ زَائِرَهُ لَيَنْقَلِبُ وَ مَا عَلَيْهِ مِنْ ذَنْبٍ
6. عَنْ أَبِي عُمَارَةَ الْمُنْشِدِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قَالَ لِي يَا أَبَا عُمَارَةَ أَنْشِدْنِي فِي الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ فَأَنْشَدْتُهُ فَبَكَى ثُمَّ أَنْشَدْتُهُ فَبَكَى قَالَ فَوَ اللَّهِ مَا زِلْتُ أُنْشِدُهُ وَ يَبْكِي حَتَّى سَمِعْتُ الْبُكَاءَ مِنَ الدَّارِ قَالَ فَقَالَ يَا بَا عُمَارَةَ مَنْ أَنْشَدَ فِي الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ شِعْراً فَأَبْكَى خَمْسِينَ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَ مَنْ أَنْشَدَ فِي الْحُسَيْنِ شِعْراً فَأَبْكَى ثَلَاثِينَ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَ مَنْ أَنْشَدَ فِي الْحُسَيْنِ شِعْراً فَأَبْكَى عِشْرِينَ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَ مَنْ أَنْشَدَ فِي الْحُسَيْنِ شِعْراً فَأَبْكَى عَشَرَةً فَلَهُ الْجَنَّةُ وَ مَنْ أَنْشَدَ فِي الْحُسَيْنِ شِعْراً فَأَبْكَى وَاحِداً فَلَهُ الْجَنَّةُ وَ مَنْ أَنْشَدَ فِي الْحُسَيْنِ شِعْراً فَبَكَى فَلَهُ الْجَنَّةُ وَ مَنْ أَنْشَدَ فِي الْحُسَيْنِ شِعْراً فَتَبَاكَى فَلَهُ الْجَنَّةُ.
7. عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي مَحْمُودٍ قَالَ قَالَ الرِّضَا ع إِنَّ الْمُحَرَّمَ شَهْرٌ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُحَرِّمُونَ فِيهِ الْقِتَالَ فَاسْتُحِلَّتْ فِيهِ دِمَاؤُنَا وَ هُتِكَتْ فِيهِ حُرْمَتُنَا وَ سُبِيَ فِيهِ ذَرَارِيُّنَا وَ نِسَاؤُنَا وَ أُضْرِمَتِ النِّيرَانُ فِي مَضَارِبِنَا وَ انْتُهِبَ مَا فِيهَا مِنْ ثِقْلِنَا وَ لَمْ تُرْعَ لِرَسُولِ اللَّهِ حُرْمَةٌ فِي أَمْرِنَا إِنَّ يَوْمَ الْحُسَيْنِ أَقْرَحَ جُفُونَنَا وَ أَسْبَلَ دُمُوعَنَا وَ أَذَلَّ عَزِيزَنَا بِأَرْضِ كَرْبٍ وَ بَلَاءٍ أَوْرَثَتْنَا الْكَرْبَ وَ الْبَلَاءَ إِلَى يَوْمِ الِانْقِضَاءِ فَعَلَى مِثْلِ الْحُسَيْنِ فَلْيَبْكِ الْبَاكُونَ فَإِنَّ الْبُكَاءَ عَلَيْهِ يَحُطُّ الذُّنُوبَ الْعِظَامَ ثُمَّ قَالَ ع كَانَ أَبِي إِذَا دَخَلَ شَهْرُ الْمُحَرَّمِ لَا يُرَى ضَاحِكاً وَ كَانَتِ الْكَآبَةُ تَغْلِبُ عَلَيْهِ حَتَّى يَمْضِيَ مِنْهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْعَاشِرِ كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ مُصِيبَتِهِ وَ حُزْنِهِ وَ بُكَائِهِ وَ يَقُولُ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ الْحُسَيْنُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ.
8. عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ فَضَّالٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الرِّضَا ع قَالَ مَنْ تَرَكَ السَّعْيَ فِي حَوَائِجِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ قَضَى اللَّهُ لَهُ حَوَائِجَ الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ وَ مَنْ كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمَ مُصِيبَتِهِ وَ حُزْنِهِ وَ بُكَائِهِ جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَوْمَ فَرَحِهِ وَ سُرُورِهِ وَ قَرَّتْ بِنَا فِي الْجِنَانِ عَيْنُهُ وَ مَنْ سَمَّى يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَوْمَ بَرَكَةٍ وَ ادَّخَرَ فِيهِ لِمَنْزِلِهِ شَيْئاً لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيمَا ادَّخَرَ وَ حُشِرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ يَزِيدَ وَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ وَ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ لَعَنَهُمُ اللَّهُ إِلَى أَسْفَلِ دَرْكٍ مِنَ النَّارِ
9. عن سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَأَلْتُ الْقَائِمَ ع عَنْ تَأْوِيلِ كهيعص قَالَ ع هَذِهِ الْحُرُوفُ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ اطَّلَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا عَبْدَهُ زَكَرِيَّا ثُمَّ قَصَّهَا عَلَى مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ وَ آلِهِ السَّلَامُ وَ ذَلِكَ أَنَّ زَكَرِيَّا سَأَلَ اللَّهَ رَبَّهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ أَسْمَاءَ الْخَمْسَةِ فَأَهْبَطَ عَلَيْهِ جَبْرَئِيلَ ع فَعَلَّمَهُ إِيَّاهَا فَكَانَ زَكَرِيَّا إِذَا ذَكَرَ مُحَمَّداً وَ عَلِيّاً وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنَ ع سُرِّيَ عَنْهُ هَمُّهُ وَ انْجَلَى كَرْبُهُ وَ إِذَا ذَكَرَ اسْمَ الْحُسَيْنِ خَنَقَتْهُ الْعَبْرَةُ وَ وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْبُهْرَةُ فَقَالَ ع ذَاتَ يَوْمٍ إِلَهِي مَا بَالِي إِذَا ذَكَرْتُ أَرْبَعَةً مِنْهُمْ تَسَلَّيْتُ بِأَسْمَائِهِمْ مِنْ هُمُومِي وَ إِذَا ذَكَرْتُ الْحُسَيْنَ تَدْمَعُ عَيْنِي وَ تَثُورُ زَفْرَتِي فَأَنْبَأَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى عَنْ قِصَّتِهِ فَقَالَ كهيعص فَالْكَافُ اسْمُ كَرْبَلَاءَ وَ الْهَاءُ هَلَاكُ الْعِتْرَةِ الطَّاهِرَةِ وَ الْيَاءُ يَزِيدُ وَ هُوَ ظَالِمُ الْحُسَيْنِ وَ الْعَيْنُ عَطَشُهُ وَ الصَّادُ صَبْرُهُ فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ زَكَرِيَّا لَمْ يُفَارِقْ مَسْجِدَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَ مَنَعَ فِيهِنَّ النَّاسَ مِنَ الدُّخُولِ عَلَيْهِ وَ أَقْبَلَ عَلَى الْبُكَاءِ وَ النَّحِيبِ وَ كَانَ يُرْثِيهِ إِلَهِي أَ تُفَجِّعُ خَيْرَ جَمِيعِ خَلْقِكَ بِوَلَدِهِ إِلَهِي أَ تُنْزِلُ بَلْوَى هَذِهِ الرَّزِيَّةِ بِفِنَائِهِ إِلَهِي أَ تُلْبِسُ عَلِيّاً وَ فَاطِمَةَ ثِيَابَ هَذِهِ الْمُصِيبَةِ إِلَهِي أَ تُحِلُّ كُرْبَةَ هَذِهِ الْمُصِيبَةِ بِسَاحَتِهِمَا ثُمَّ كَانَ يَقُولُ إِلَهِي ارْزُقْنِي وَلَداً تَقَرُّ بِهِ عَيْنِي عَلَى الْكِبَرِ فَإِذَا رَزَقْتَنِيهِ فَافْتِنِّي بِحُبِّهِ ثُمَّ أَفْجِعْنِي بِهِ كَمَا تُفْجِعُ مُحَمَّداً حَبِيبَكَ بِوَلَدِهِ فَرَزَقَهُ اللَّهُ يَحْيَى وَ فَجَّعَهُ بِهِ وَ كَانَ حَمْلُ يَحْيَى سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَ حَمْلُ الْحُسَيْنِ ع كَذَلِكَ الْخَبَرَ.
وبعد ذكر طرفا من روايات أهل البيت عليهم السلام وللقارئ أن ينظر في بقية الروايات في الكثير من المصادر التاريخية والروائية كبحار الأنوار في الجزء المختص بحياة الإمام الحسين عليه السلام وكتب المقاتل وكتاب كامل الزيارات وأمالي الشيخ الصدوق والطوسي ومجالس الشيخ المفيد عليهم الرحمة وغيرها من الكتب وربما يسأل السائل لماذا لم يرى مثل هذه المراسم العزائية عند غير الشيعة إذا كان الأمر قد صدر من الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وقد مارسه فعلا؟
فإنه يجاب أن الممارسة في حياة النبي صلى الله عليه وأله من قبله شخصيا لم تكن على نطاق واسع بحيث تكون شكل من أشكال الممارسة الجماعية في الصحابة من بعده، وانما كانت ممارسة على نحو خاص في مواطن متعددة هيئة الأرضية لمشروعية للبكاء عليه ، وهكذا كانت ممارسة من بعد النبي صلى الله عليه وآله إلى حين استشهاده عليه السلام، بل يمكن القول بأن الصحابة لم يكونوا على استعداد لقبول الأمر بشكله الواسع لأنه إخبار بغدر القطاع الواسع من الأمة على ابن رسول الله صلى الله عليه وآله، وهذا ما يعني تشكيكا في أهليتهم للإسلام مما يستدعي نقض الغرض لدعوتهم للدين الإسلامي من أول الأمر.
أما بعد استشهاد الحسين وصحبه عليهم السلام فكانت الممارسة من قبل أهل البيت تأخذ شكلا آخر وهو الدعوة لإقامة البكاء والنياحة عليه بشكل جماعي مما يعني المشاركة الواسعة من الموالين لأهل البيت عليهم السلام في طقوس خاصة بالمصيبة جعل أقصى وقتها هو يوم عاشورا فيها يظهرون الحزن والجزع ويقيمون المآتم ونوادي الشعر بأمر من أهل البيت العصمة، وكانت إقامة المأتم تتم في بيوتات أهل البيت عليهم السلام وفي بيوتات أصحابهم مما جعل هذه الممارسة تشكل نوعا من أنواع الولاء لأهل البيت عليهم السلام فيزداد بذلك الارتباط العقائدي، والممارسة على هذا النحو رغم المخاطر التي حفتها على مر التاريخ فقد نقلت من جيل إلى جيل بحيث صارت سمة من سمات الشيعة .
الأمر الثاني: الجانب الغيبي للبكاء على الحسين عليه السلام:
إن المتتبع لروايات أهل البيت يستكشف أن الدمعة لم تكن وليدة بعثة النبي صلى الله عليه وآله بل هذه الدمعة كانت مقدرة في علم الله فنجد بعض الروايات تذكر أن بعض أنبياء الله ورسله قد مارسوا البكاء على الحسين عليه السلام من هذه الروايات فمنها:
1. سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَأَلْتُ الْقَائِمَ ع عَنْ تَأْوِيلِ كهيعص قَالَ ع هَذِهِ الْحُرُوفُ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ اطَّلَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا عَبْدَهُ زَكَرِيَّا ثُمَّ قَصَّهَا عَلَى مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ وَ آلِهِ السَّلَامُ وَ ذَلِكَ أَنَّ زَكَرِيَّا سَأَلَ اللَّهَ رَبَّهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ أَسْمَاءَ الْخَمْسَةِ فَأَهْبَطَ عَلَيْهِ جَبْرَئِيلَ ع فَعَلَّمَهُ إِيَّاهَا فَكَانَ زَكَرِيَّا إِذَا ذَكَرَ مُحَمَّداً وَ عَلِيّاً وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنَ ع سُرِّيَ عَنْهُ هَمُّهُ وَ انْجَلَى كَرْبُهُ وَ إِذَا ذَكَرَ اسْمَ الْحُسَيْنِ خَنَقَتْهُ الْعَبْرَةُ وَ وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْبُهْرَةُ فَقَالَ ع ذَاتَ يَوْمٍ إِلَهِي مَا بَالِي إِذَا ذَكَرْتُ أَرْبَعَةً مِنْهُمْ تَسَلَّيْتُ بِأَسْمَائِهِمْ مِنْ هُمُومِي وَ إِذَا ذَكَرْتُ الْحُسَيْنَ تَدْمَعُ عَيْنِي وَ تَثُورُ زَفْرَتِي فَأَنْبَأَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى عَنْ قِصَّتِهِ....
2. رَوَى صَاحِبُ الدُّرِّ الثَّمِينِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ أَنَّهُ رَأَى سَاقَ الْعَرْشِ وَ أَسْمَاءَ النَّبِيِّ وَ الْأَئِمَّةِ ع فَلَقَّنَهُ جَبْرَئِيلُ قُلْ يَا حَمِيدُ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ يَا عَالِي بِحَقِّ عَلِيٍّ يَا فَاطِرُ بِحَقِّ فَاطِمَةَ يَا مُحْسِنُ بِحَقِّ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ وَ مِنْكَ الْإِحْسَانُ فَلَمَّا ذَكَرَ الْحُسَيْنَ سَالَتْ دُمُوعُهُ وَ انْخَشَعَ قَلْبُهُ وَ قَالَ يَا أَخِي جَبْرَئِيلُ فِي ذِكْرِ الْخَامِسِ يَنْكَسِرُ قَلْبِي وَ تَسِيلُ عَبْرَتِي قَالَ جَبْرَئِيلُ وَلَدُكَ هَذَا يُصَابُ بِمُصِيبَةٍ تَصْغُرُ عِنْدَهَا الْمَصَائِبُ فَقَالَ يَا أَخِي وَ مَا هِيَ قَالَ يُقْتَلُ عَطْشَاناً [عَطْشَانَ] غَرِيباً وَحِيداً فَرِيداً لَيْسَ لَهُ نَاصِرٌ وَ لَا مُعِينٌ وَ لَوْ تَرَاهُ يَا آدَمُ وَ هُوَ يَقُولُ وَا عَطَشَاهْ وَا قِلَّةَ نَاصِرَاهْ حَتَّى يَحُولَ الْعَطَشُ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ السَّمَاءِ كَالدُّخَانِ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ إِلَّا بِالسُّيُوفِ وَ شُرْبِ الْحُتُوفِ فَيُذْبَحُ ذَبْحَ الشَّاةِ مِنْ قَفَاهُ وَ يَنْهَبُ رَحْلَهُ أَعْدَاؤُهُ وَ تُشْهَرُ رُءُوسُهُمْ هُوَ وَ أَنْصَارُهُ فِي الْبُلْدَانِ وَ مَعَهُمُ النِّسْوَانُ كَذَلِكَ سَبَقَ فِي عِلْمِ الْوَاحِدِ الْمَنَّانِ فَبَكَى آدَمُ وَ جَبْرَئِيلُ بُكَاءَ الثَّكْلَى
والمتتبع لمسيرة هذه الدمعة خصوصا بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام سيجد فيه سر بقاء ثورته إلى يومنا هذا ففي مسيرة سبايا الحسين من الكوفة إلى الشام ومن ثم إلى المدينة نجد أن الموقف المرافق الرئيسي للقافلة هو الدمعة والعبرة فزينب عليها السلام والإمام زين العابدين قد أبكايا أهل الكوفة مؤذنان ببداية الجولة الثانية من المعركة الحسينية التي لا نهاية لها إلا بظهور قائم آل محمد صلى الله عليه وآله وعجل الله فرجه الشريف إذ لا يعدو قتل الحسين عليه السلام وأصحابه إلا الجولة الأولى من المعركة وهكذا في عقر دار يزيد لعنه الله استعمل نفس السلاح لإظهار حق الحسين عليه السلام على باطل يزيد لعنه الله، واستمرت الدمعة تسير مع ركب السبايا أينما حلوا أو ارتحلوا سلاحا يقوض كل ظلم ويظهر كل حق لأهل البيت عليهم السلام.
ولو تأملنا قليلا لوجدنا صعوبة هزيمة هذه الدمعة فمهما ملك الطواغيت على مر الزمان من سلاح وعتاد وقوة وعناد فإن الدمعة على ضعفها أقوى من جبروت الطواغيت، لأن قتل الدمعة تحتاج إلى استئصال كل الموالين وأنى لهم ذلك وقد تفرقت الدمعة في كل مكان وفي كل زمان.
هذه الدمعة هي أحد الوسائل التي استعملتها زينب عليها السلام في مواجهتها ليزيد لعنه الله وهي القائلة له: فلئن اتخذتنا مغنما لتتخذنا وشيكا مغرما، حين لا تجد إلا ما قدمت يداك، وما الله بظلام للعبيد، وإلى الله المشتكى، والمعول، وإليه الملجأ والمؤمل ثم كد كيدك، واجهد جهدك، فوالذي شرفنا بالوحي والكتاب، والنبوة والانتجاب، لا تدرك أمدنا، ولا تبلغ غايتنا، ولا تمحو ذكرنا، ولا ترحض عنك عارنا، وهل رأيك إلا فند، وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم ينادي المنادي ألا لعن الظالم العادي والحمد لله الذي حكم لأوليائه بالسعادة وختم لأوصيائه ببلوغ الإرادة....
وبعد هذا يتضح جليا سر هذه الدمعة وسر هذا البكاء والتفجع الذي لا زال إلى يومنا هذا يصدح به الموالون في كل أرض وفي كل زمان يؤكدون به أحقية أهل البيت ويثبتون به عرش قائم آل محمد صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وعجل الله فرجه الشريف.
والحمد لله رب العالمين
مالك محمد علي درويش
محرم الحرام 1431 هـ
كنت جالسا بالقرب من فضيلة الشيخ عيسى عيد ننظر إلى قبره بعدما وُرِيَ الثرى، قال لي أن كلمة من خطيب قريتنا المفوه الشيخ مهدي ملا حسن أعجبته يقول في أحد مجالسه أن المصيبة إذا وقعت بفقد حبيب أو عزيز تقع كبيرة جدا ولكنها ما تلبث بتقادم الزمان أن تصغر وتصغر إلا مصيبة أبي عبد الله الحسين عليه السلام فهي لا تصغر مهما تقادم الزمان، وفي صباح يوم الخميس رقى منبر التعزية على روح العزيز عمه فضيلة الشيخ خليل الشاخوري وبعد شكره للمعزين والمواسين لهم في مصابهم الجلل جاعلا ذلك مدخلا لمن اعتادت عيونه حفر القنوات على خدوده من سيل دموعه على مصيبة هي أعظم المصائب مصيبة أبي عبد الله الحسين عليه السلام مذكرا الناس بأن زينب عليها السلام في ليلة مصيبتها وفقدها للأحبة والأعزة لم يواسيها أحد، فأجهش الحضور بالبكاء.
هذا البكاء بهذه المرارة والغزارة لم أره قط في أي مصيبة من مصائبنا الشخصية التي تمر علينا نحن الشيعة إلا في مجالس الحسين وأهل بيته عليهم السلام। فأي سر يحويه هذا البكاء بحيث يكون متفجرا في أشد حالاته حينما يلون بدم الحسين عليه السلام ويخبو وينقطع حينما يبتعد عن لون الحسين عليه السلام؟
الفرض الأول:
أن يقال لنا بأننا ذوات عواطف جياشة فنقول بأن هذا ليس بمقنع، فلسنا فريدين في هذا الكون نختزل العاطفة في نفوسنا وتنقطع عن باقي البشر، فنحن كباقي البشر نملك نفس المشاعر والعواطف، ولكننا نظل نبكي ولا ينقطع بكائنا بنفس الحرارة في كل ذكرى لأهل البيت عليهم السلام وينقطع عند الناس بكائهم على مصائبهم بتقادم الزمان عليها حتى لا يبقى منها في أكابرها إلا ذكر اسمها واحتفالا يخلوه الصراخ والعويل والبكاء।
الفرض الثاني:
أن يقال بأن حبكم للحسين وأهل بيته عليهم السلام يفوق حبكم لأنفسكم وأهليكم، وشدة الحب التي تفوق وله العشاق تجعل مصيبته حاضرة لكم فكلما تذكرتموه بكيتم عليه كبكاء الأم الفاقدة لوحيدها فإنه يجاب بما أجبنا عليه آنفا فإن ذلك غير كاف إذ أن الكثير من البشر يذوبون في معشوقهم بل يصل الحال ببعضهم أن ينتحروا ليحرروا أنفسهم من قيد حبهم فيتخلصوا من حياتهم وعشقهم في آن واحد ولكن أمثال هؤلاء أفراد، ونحن نتكلم على طائفة تحوي الملايين كلهم على منوال واحد في البكاء على مصابهم الفريد هذا مع الفارق الكبير بين بكائنا وبكاء فاقد المعشوق الذي يريد أن يخلص نفسه من قيد المعشوقية أما نحن فنتسابق في زيادة قيد المعشوقية ونجتهد في زيادة البكاء ونأنس به كأنسنا بمن يلاقي معشوقه بعد غياب، فكلنا في حال من اللهفة على قدوم أيام عاشوراء كي نطلق لعيوننا العنان فينحدر منها سيول الدموع إلى أودية الوفاء والحب والعشق هذا من جهة ومن جهة أخرى نجد أن الأقوام المليونية من الطوائف الأخرى الاسلامية وغير الاسلامية تعشق قادتها وتحبهم أكثر من حبها لأنفسهم يصل بها الحد للتضحية بالغالي والنفيس من أجله في أثناء حياته وبعد مماته ولكننا لم نجد طائفة من غيرنا تبكي قادتها لفقدهم كبكائنا لفقد قادتنا عليهم السلام فاصبح البكاء لنا عادة ورسما نوصف به وتمييزا لنا عن باقي الطوائف।
الفرض الثالث:
أن يقال أن المصيبة عظيمة تفوق في عظمتها كل المصائب المتصورة لديكم بل أنه لم ولن تمرّ مصيبة عليكم تكون في تكون في تصورها أعظم منها فكل مصيبة هي عندكم أهون منها। ويجاب عليه أن هذا الأمر وإن كان صحيحا بلحاظ أن شخصية الحسين عليه السلام هي من أعظم الشخصيات بالنسبة لدينا على وجه الأرض إذ لا يدانيه في الفضل إلا الأشباح الأربعة السابقة عليه وكل من يلحقه يكون هو أدون منه فضلا ما عدا أولاده الأئمة التسعة المعصومون عليهم السلام، ولكن كون الحسين من أفضل الشخصيات عندنا له مثيل في باقي الطوائف فالمسيحيون يرون أفضلية عيسى ابن مريم عليه السلام على الخلائق وهم يرون أنه قد قتل بأبشع الصور وعذب بأشد أنواع التعذيب، وقد بكى الكثير منهم وتأثروا لما شاهدوا الفيلم المسمى بأللآم المسيح ولكن هذا لم يجعلهم كديانة مسيحية تتخذ البكاء شعارا لها في كل ذكرى لرحيله عندهم। وفي العالم مصائب يراه الناس أنها من أعظم المصائب والكوارث التي تحل على البشرية جراء ظلم بني البشر من حكام الجور فيقتل الألآف في لحظة بأبشع صور القتل والتنكيل لحفظ كيان الديكتاتورية، ولكن مع هذا فإن الزمان كفيل بأن يهون ألم مصابها في نفوس البشر المهتمين بالقضية فضلا عن اللامبالين।
الفرض الرابع: القول بأن الشيعة قد عانت طوال التاريخ الظلم والاستبعاد والقهر والاضطهاد، وهي بذلك تتستر بالدمعة على الحسين عليه السلام تسلية لأنفسهم من جور حكام الزمان। هذا قول لو تنزلنا وقلنا بصحته لا يرقى لأن يجيب على استمرار البكاء إلى زماننا هذا الذي نعيش فيه زهوة النصر على أعدائنا بقيام الدولة الإسلامية في إيران وانتصارات حزب الله على إسرائيل اللقيطة، فإننا نلحظ الزخم الكبير الذي تعتني به إيران المحافظة على هذه الدمعة، والتعلق بعرى الحسين عليه السلام لا يزال ظاهرا في حزب الله تقوده الدمعة وتسقيه العبرة।
ولو أردنا أن نسترسل لأخرجنا فروضا عدة لا تفي بالإجابة على سر البكاء عند الشيعة الإمامية ولكن اختصارا نذكر أمرين يكونان من متممات الفروض السابقة التي بهما يشكلان الحلقة المفقودة في فهم سر بقاء البكاء حتى يومنا هذا.
الأمر الأول: أن هناك سلوكا من الفعل والقول من قبل أهل البيت عليهم السلام سبق ولحق واقعة كربلاء كان يؤصل للبكاء كمنهج عام للتعامل مع الحسين عليه السلام يربط الموالين به برباط عقائدي وشرعي। وهذا السلوك من قبل أهل البيت عليهم السلام قد مورس بأكثر من قرنين ونصف، بحيث أن أصحاب الأئمة ومن لحقهم جيلا بعد جيل أصبح البكاء عندهم كالملكة النفسانية عند ذكر مصاب أهل البيت ينقادون له كانقياد الرضيع إلى محالب أمه. وللاستشهاد بذلك نصنف الروايات إلى قسمين :
القسم الأول: الأقوال والأفعال الصادرة من أهل البيت العصمة قبل فاجعة كربلاء منها:
1. عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ حُلُماً مُنْكَراً، قَالَ: وَمَا هُوَ، قَالَتْ: إِنَّهُ شَدِيدٌ، قَالَ: وَمَا هُوَ، قَالَتْ: رَأَيْتُ كَأَنَّ قِطْعَةً مِنْ جَسَدِكَ قَدْ قُطِعَتْ وَوُضِعَتْ فِي حَجْرِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: خَيْراً رَأَيْتِ تَلِدُ فَاطِمَةُ غُلَاماً فَيَكُونُ فِي حَجْرِكِ فَوَلَدَتْ فَاطِمَةُ عليها السلام الْحُسَيْنَ عليه السلام، قَالَتْ: وَكَانَ فِي حَجْرِي كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ فَدَخَلْتُ بِهِ يَوْماً عَلَى النَّبِيِّ فَوَضَعْتُهُ فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله ثُمَّ حَانَتْ مِنِّي الْتِفَاتَةً فَإِذَا عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ تُهْرِقَانِ بِالدُّمُوعِ، فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَكَ، قَالَ: أَتَانِي جَبْرَئِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ أُمَّتِي يَقْتُلُ [تَقْتُلُ] ابْنِي هَذَا وَأَتَانِي بِتُرْبَةٍ حَمْرَاءَ مِنْ تُرْبَتِهِ.
2. عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله ذَاتَ يَوْمٍ جَالِساً وَالْحُسَيْنُ جَالِسٌ فِي حَجْرِهِ إِذْ هَمَلَتْ عَيْنَاهُ بِالدُّمُوعِ فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لِي أَرَاكَ تَبْكِي جُعِلْتُ فِدَاكَ قَالَ جَاءَنِي جَبْرَئِيلُ فَعَزَّانِي بِابْنِيَ الْحُسَيْنِ وَأَخْبَرَنِي أَنَّ طَائِفَةً مِنْ أُمَّتِي تَقْتُلُهُ لَا أَنَالَهَا اللَّهُ شَفَاعَتِي.
3. عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: كَانَ الْحُسَيْنُ مَعَ أُمِّهِ تَحْمِلُهُ فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وَقَالَ: لَعَنَ اللَّهُ قَاتِلَكَ وَلَعَنَ اللَّهُ سَالِبَكَ وَأَهْلَكَ اللَّهُ الْمُتَوَازِرِينَ عَلَيْكَ وَحَكَمَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَ مَنْ أَعَانَ عَلَيْكَ، قَالَتْ فَاطِمَةُ الزَّهْرَاءُ: يَا أَبَتِ أَيَّ شَيْءٍ تَقُولُ، قَالَ: يَا بِنْتَاهْ ذَكَرْتُ مَا يُصِيبُهُ بَعْدِي وَبَعْدَكِ مِنَ الْأَذَى وَالظُّلْمِ وَالْغَدْرِ وَالْبَغْيِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ فِي عُصْبَةٍ كَأَنَّهُمْ نُجُومُ السَّمَاءِ يَتَهَادَوْنَ إِلَى الْقَتْلِ وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُعَسْكَرِهِمْ وَإِلَى مَوْضِعِ رِحَالِهِمْ وَتُرْبَتِهِمْ، قَالَتْ: يَا أَبَهْ وَأَيْنَ هَذَا الْمَوْضِعُ الَّذِي تَصِفُ، قَالَ: مَوْضِعٌ يُقَالُ لَهُ كَرْبَلَاءُ وَ هِيَ دَارُ كَرْبٍ وَ بَلَاءٍ عَلَيْنَا وَ عَلَى الْأُمَّةِ يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ شِرَارُ أُمَّتِي لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ شَفَعَ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرَضِينَ مَا شُفِّعُوا فِيهِ وَ هُمُ الْمُخَلَّدُونَ فِي النَّارِ قَالَتْ يَا أَبَهْ فَيُقْتَلُ قَالَ نَعَمْ يَا بِنْتَاهْ وَ مَا قُتِلَ قَتْلَتَهُ أَحَدٌ كَانَ قَبْلَهُ وَ يَبْكِيهِ السَّمَاوَاتُ وَ الْأَرَضُونَ وَ الْمَلَائِكَةُ وَ الْوَحْشُ وَ النَّبَاتَاتُ وَ الْبِحَارُ وَ الْجِبَالُ وَ لَوْ يُؤْذَنُ لَهَا مَا بَقِيَ عَلَى الْأَرْضِ مُتَنَفِّسٌ وَ يَأْتِيهِ قَوْمٌ مِنْ مُحِبِّينَا لَيْسَ فِي الْأَرْضِ أَعْلَمُ بِاللَّهِ وَ لَا أَقْوَمُ بِحَقِّنَا مِنْهُمْ وَ لَيْسَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ غَيْرُهُمْ أُولَئِكَ مَصَابِيحُ فِي ظُلُمَاتِ الْجَوْرِ وَ هُمُ الشُّفَعَاءُ وَ هُمْ وَارِدُونَ حَوْضِي غَداً أَعْرِفُهُمْ إِذَا وَرَدُوا عَلَيَّ بِسِيمَاهُمْ وَ كُلُّ أَهْلِ دِينٍ يَطْلُبُونَ أَئِمَّتَهُمْ وَ هُمْ يَطْلُبُونَنَا لَا يَطْلُبُونَ غَيْرَنَا وَ هُمْ قِوَامُ الْأَرْضِ وَ بِهِمْ يَنْزِلُ الْغَيْثُ فَقَالَتْ فَاطِمَةُ الزَّهْرَاءُ ع يَا أَبَهْ إِنَّا لِلَّهِ وَ بَكَتْ فَقَالَ لَهَا يَا بِنْتَاهْ إِنَّ أَفْضَلَ أَهْلِ الْجِنَانِ هُمُ الشُّهَدَاءُ فِي الدُّنْيَا بَذَلُوا أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا......
4. فِي مُثِيرِ الْأَحْزَانِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ ص مَرَضُهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ ضَمَّ الْحُسَيْنَ ع إِلَى صَدْرِهِ يَسِيلُ مِنْ عَرَقِهِ عَلَيْهِ وَ هُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ وَ يَقُولُ مَا لِي وَ لِيَزِيدَ لَا بَارَكَ اللَّهُ فِيهِ اللَّهُمَّ الْعَنْ يَزِيدَ ثُمَّ غُشِيَ عَلَيْهِ طَوِيلًا وَ أَفَاقَ وَ جَعَلَ يُقَبِّلُ الْحُسَيْنَ وَ عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ وَ يَقُولُ أَمَا إِنَّ لِي وَ لِقَاتِلِكَ مُقَاماً بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ
5. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كُنْتُ مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع فِي خَرْجَتِهِ إِلَى صِفِّينَ فَلَمَّا نَزَلَ بِنَيْنَوَى وَ هُوَ بِشَطِّ الْفُرَاتِ قَالَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ أَ تَعْرِفُ هَذَا الْمَوْضِعَ قُلْتُ لَهُ مَا أَعْرِفُهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ ع لَوْ عَرَفْتَهُ كَمَعْرِفَتِي لَمْ تَكُنْ تَجُوزُهُ حَتَّى تَبْكِيَ كَبُكَائِي قَالَ فَبَكَى طَوِيلًا حَتَّى اخْضَلَّتْ لِحْيَتُهُ وَ سَالَتِ الدُّمُوعُ عَلَى صَدْرِهِ وَ بَكَيْنَا مَعاً وَ هُوَ يَقُولُ أَوِّهْ أَوِّهْ مَا لِي وَ لِآلِ أَبِي سُفْيَانَ مَا لِي وَ لآِلِ حَرْبٍ حِزْبِ الشَّيْطَانِ وَ أَوْلِيَاءِ الْكُفْرِ صَبْراً يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فَقَدْ لَقِيَ أَبُوكَ مِثْلَ الَّذِي تَلْقَى مِنْهُمْ....
6. عَنِ الْقَدَّاحِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ ع قَالَ مَرَّ عَلِيٌّ بِكَرْبَلَاءَ فِي اثْنَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ قَالَ فَلَمَّا مَرَّ بِهَا تَرَقْرَقَتْ عَيْنَاهُ لِلْبُكَاءِ ثُمَّ قَالَ هَذَا مُنَاخُ رِكَابِهِمْ وَ هَذَا مُلْقَى رِحَالِهِمْ وَ هَاهُنَا تُهَرَاقُ دِمَاؤُهُمْ طُوبَى لَكِ مِنْ تُرْبَةٍ عَلَيْكِ تُهَرَاقُ دِمَاءُ الْأَحِبَّةِ
7. عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ع قَالَ مَا مِنْ عَبْدٍ قَطَرَتْ عَيْنَاهُ فِينَا قَطْرَةً أَوْ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ فِينَا دَمْعَةً إِلَّا بَوَّأَهُ اللَّهُ بِهَا فِي الْجَنَّةِ حُقُباً
القسم الثاني: الأقوال والأفعال الصادرة من أهل البيت العصمة بعد فاجعة كربلاء منها:
1. عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع يَقُولُ أَيُّمَا مُؤْمِنٍ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ لِقَتْلِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ دَمْعَةً حَتَّى تَسِيلَ عَلَى خَدِّهِ بَوَّأَهُ اللَّهُ بِهَا فِي الْجَنَّةِ غُرَفاً يَسْكُنُهَا أَحْقَاباً وَ أَيُّمَا مُؤْمِنٍ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ دَمْعاً حَتَّى يَسِيلَ عَلَى خَدِّهِ لِأَذًى مَسَّنَا مِنْ عَدُوِّنَا فِي الدُّنْيَا بَوَّأَهُ اللَّهُ مُبَوَّأَ صِدْقٍ فِي الْجَنَّةِ وَ أَيُّمَا مُؤْمِنٍ مَسَّهُ أَذًى فِينَا فَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ حَتَّى يَسِيلَ دَمْعُهُ عَلَى خَدَّيْهِ مِنْ مَضَاضَةِ مَا أُوذِيَ فِينَا صَرَفَ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ الْأَذَى وَ آمَنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَخَطِهِ وَ النَّارِ.
2. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ كَيْفَ صَارَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمَ مُصِيبَةٍ وَ غَمٍّ وَ جَزَعٍ وَ بُكَاءٍ دُونَ الْيَوْمِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَتْ فِيهِ فَاطِمَةُ ع وَ الْيَوْمِ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع وَ الْيَوْمِ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ الْحَسَنُ ع بِالسَّمِّ فَقَالَ إِنَّ يَوْمَ قُتِلَ الْحُسَيْنُ ع أَعْظَمُ مُصِيبَةً مِنْ جَمِيعِ سَائِرِ الْأَيَّامِ وَ ذَلِكَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكِسَاءِ الَّذِينَ كَانُوا أَكْرَمَ الْخَلْقِ عَلَى اللَّهِ كَانُوا خَمْسَةً فَلَمَّا مَضَى عَنْهُمُ النَّبِيُّ بَقِيَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ فَاطِمَةُ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ ع فَكَانَ فِيهِمْ لِلنَّاسِ عَزَاءٌ وَ سَلْوَةٌ فَلَمَّا مَضَتْ فَاطِمَةُ ع كَانَ فِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ ع لِلنَّاسِ عَزَاءٌ وَ سَلْوَةٌ فَلَمَّا مَضَى مِنْهُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ لِلنَّاسِ فِي الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ ع عَزَاءٌ وَ سَلْوَةٌ فَلَمَّا مَضَى الْحَسَنُ ع كَانَ لِلنَّاسِ فِي الْحُسَيْنِ عَزَاءٌ وَ سَلْوَةٌ فَلَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ الْكِسَاءِ أَحَدٌ لِلنَّاسِ فِيهِ بَعْدَهُ عَزَاءٌ وَ سَلْوَةٌ فَكَانَ ذَهَابُهُ كَذَهَابِ جَمِيعِهِمْ كَمَا كَانَ بَقَاؤُهُ كَبَقَاءِ جَمِيعِهِمْ فَلِذَلِكَ صَارَ يَوْمُهُ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ مُصِيبَةً......
3. عَنِ ابْنِ خَارِجَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ كُنَّا عِنْدَهُ فَذَكَرْنَا الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ ع وَ عَلَى قَاتِلِهِ لَعْنَةُ اللَّهِ فَبَكَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع وَ بَكَيْنَا قَالَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ ع أَنَا قَتِيلُ الْعَبْرَةِ لَا يَذْكُرُنِي مُؤْمِنٌ إِلَّا بَكَى.
4. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَّانَ عَنِ ابْنِ أَبِي شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَالِبٍ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فَأَنْشَدْتُهُ مَرْثِيَةَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ع فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ
لَبَلِيَّةٌ تَسْقُوا حُسَيْناً بِمِسْقَاةِ الثَّرَى غَيْرِ التُّرَابِ
صَاحَتْ بَاكِيَةً مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ يَا أَبَتَاهْ.
5. عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ إِنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عِنْدَ رَبِّهِ عَزَّ وَ جَلَّ يَنْظُرُ إِلَى مُعَسْكَرِهِ وَ مَنْ حَلَّهُ مِنَ الشُّهَدَاءِ مَعَهُ وَ يَنْظُرُ إِلَى زُوَّارِهِ وَ هُوَ أَعْرَفُ بِهِمْ وَ بِأَسْمَائِهِمْ وَ أَسْمَاءِ آبَائِهِمْ وَ بِدَرَجَاتِهِمْ وَ مَنْزِلَتِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْ أَحَدِكُمْ بِوَلَدِهِ وَ إِنَّهُ لَيَرَى مَنْ يَبْكِيهِ فَيَسْتَغْفِرُ لَهُ وَ يَسْأَلُ آبَاءَهُ ع أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لَهُ وَ يَقُولُ لَوْ يَعْلَمُ زَائِرِي مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ لَكَانَ فَرَحُهُ أَكْثَرَ مِنْ جَزَعِهِ وَ إِنَّ زَائِرَهُ لَيَنْقَلِبُ وَ مَا عَلَيْهِ مِنْ ذَنْبٍ
6. عَنْ أَبِي عُمَارَةَ الْمُنْشِدِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قَالَ لِي يَا أَبَا عُمَارَةَ أَنْشِدْنِي فِي الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ فَأَنْشَدْتُهُ فَبَكَى ثُمَّ أَنْشَدْتُهُ فَبَكَى قَالَ فَوَ اللَّهِ مَا زِلْتُ أُنْشِدُهُ وَ يَبْكِي حَتَّى سَمِعْتُ الْبُكَاءَ مِنَ الدَّارِ قَالَ فَقَالَ يَا بَا عُمَارَةَ مَنْ أَنْشَدَ فِي الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ شِعْراً فَأَبْكَى خَمْسِينَ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَ مَنْ أَنْشَدَ فِي الْحُسَيْنِ شِعْراً فَأَبْكَى ثَلَاثِينَ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَ مَنْ أَنْشَدَ فِي الْحُسَيْنِ شِعْراً فَأَبْكَى عِشْرِينَ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَ مَنْ أَنْشَدَ فِي الْحُسَيْنِ شِعْراً فَأَبْكَى عَشَرَةً فَلَهُ الْجَنَّةُ وَ مَنْ أَنْشَدَ فِي الْحُسَيْنِ شِعْراً فَأَبْكَى وَاحِداً فَلَهُ الْجَنَّةُ وَ مَنْ أَنْشَدَ فِي الْحُسَيْنِ شِعْراً فَبَكَى فَلَهُ الْجَنَّةُ وَ مَنْ أَنْشَدَ فِي الْحُسَيْنِ شِعْراً فَتَبَاكَى فَلَهُ الْجَنَّةُ.
7. عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي مَحْمُودٍ قَالَ قَالَ الرِّضَا ع إِنَّ الْمُحَرَّمَ شَهْرٌ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُحَرِّمُونَ فِيهِ الْقِتَالَ فَاسْتُحِلَّتْ فِيهِ دِمَاؤُنَا وَ هُتِكَتْ فِيهِ حُرْمَتُنَا وَ سُبِيَ فِيهِ ذَرَارِيُّنَا وَ نِسَاؤُنَا وَ أُضْرِمَتِ النِّيرَانُ فِي مَضَارِبِنَا وَ انْتُهِبَ مَا فِيهَا مِنْ ثِقْلِنَا وَ لَمْ تُرْعَ لِرَسُولِ اللَّهِ حُرْمَةٌ فِي أَمْرِنَا إِنَّ يَوْمَ الْحُسَيْنِ أَقْرَحَ جُفُونَنَا وَ أَسْبَلَ دُمُوعَنَا وَ أَذَلَّ عَزِيزَنَا بِأَرْضِ كَرْبٍ وَ بَلَاءٍ أَوْرَثَتْنَا الْكَرْبَ وَ الْبَلَاءَ إِلَى يَوْمِ الِانْقِضَاءِ فَعَلَى مِثْلِ الْحُسَيْنِ فَلْيَبْكِ الْبَاكُونَ فَإِنَّ الْبُكَاءَ عَلَيْهِ يَحُطُّ الذُّنُوبَ الْعِظَامَ ثُمَّ قَالَ ع كَانَ أَبِي إِذَا دَخَلَ شَهْرُ الْمُحَرَّمِ لَا يُرَى ضَاحِكاً وَ كَانَتِ الْكَآبَةُ تَغْلِبُ عَلَيْهِ حَتَّى يَمْضِيَ مِنْهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْعَاشِرِ كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ مُصِيبَتِهِ وَ حُزْنِهِ وَ بُكَائِهِ وَ يَقُولُ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ الْحُسَيْنُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ.
8. عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ فَضَّالٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الرِّضَا ع قَالَ مَنْ تَرَكَ السَّعْيَ فِي حَوَائِجِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ قَضَى اللَّهُ لَهُ حَوَائِجَ الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ وَ مَنْ كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمَ مُصِيبَتِهِ وَ حُزْنِهِ وَ بُكَائِهِ جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَوْمَ فَرَحِهِ وَ سُرُورِهِ وَ قَرَّتْ بِنَا فِي الْجِنَانِ عَيْنُهُ وَ مَنْ سَمَّى يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَوْمَ بَرَكَةٍ وَ ادَّخَرَ فِيهِ لِمَنْزِلِهِ شَيْئاً لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيمَا ادَّخَرَ وَ حُشِرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ يَزِيدَ وَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ وَ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ لَعَنَهُمُ اللَّهُ إِلَى أَسْفَلِ دَرْكٍ مِنَ النَّارِ
9. عن سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَأَلْتُ الْقَائِمَ ع عَنْ تَأْوِيلِ كهيعص قَالَ ع هَذِهِ الْحُرُوفُ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ اطَّلَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا عَبْدَهُ زَكَرِيَّا ثُمَّ قَصَّهَا عَلَى مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ وَ آلِهِ السَّلَامُ وَ ذَلِكَ أَنَّ زَكَرِيَّا سَأَلَ اللَّهَ رَبَّهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ أَسْمَاءَ الْخَمْسَةِ فَأَهْبَطَ عَلَيْهِ جَبْرَئِيلَ ع فَعَلَّمَهُ إِيَّاهَا فَكَانَ زَكَرِيَّا إِذَا ذَكَرَ مُحَمَّداً وَ عَلِيّاً وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنَ ع سُرِّيَ عَنْهُ هَمُّهُ وَ انْجَلَى كَرْبُهُ وَ إِذَا ذَكَرَ اسْمَ الْحُسَيْنِ خَنَقَتْهُ الْعَبْرَةُ وَ وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْبُهْرَةُ فَقَالَ ع ذَاتَ يَوْمٍ إِلَهِي مَا بَالِي إِذَا ذَكَرْتُ أَرْبَعَةً مِنْهُمْ تَسَلَّيْتُ بِأَسْمَائِهِمْ مِنْ هُمُومِي وَ إِذَا ذَكَرْتُ الْحُسَيْنَ تَدْمَعُ عَيْنِي وَ تَثُورُ زَفْرَتِي فَأَنْبَأَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى عَنْ قِصَّتِهِ فَقَالَ كهيعص فَالْكَافُ اسْمُ كَرْبَلَاءَ وَ الْهَاءُ هَلَاكُ الْعِتْرَةِ الطَّاهِرَةِ وَ الْيَاءُ يَزِيدُ وَ هُوَ ظَالِمُ الْحُسَيْنِ وَ الْعَيْنُ عَطَشُهُ وَ الصَّادُ صَبْرُهُ فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ زَكَرِيَّا لَمْ يُفَارِقْ مَسْجِدَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَ مَنَعَ فِيهِنَّ النَّاسَ مِنَ الدُّخُولِ عَلَيْهِ وَ أَقْبَلَ عَلَى الْبُكَاءِ وَ النَّحِيبِ وَ كَانَ يُرْثِيهِ إِلَهِي أَ تُفَجِّعُ خَيْرَ جَمِيعِ خَلْقِكَ بِوَلَدِهِ إِلَهِي أَ تُنْزِلُ بَلْوَى هَذِهِ الرَّزِيَّةِ بِفِنَائِهِ إِلَهِي أَ تُلْبِسُ عَلِيّاً وَ فَاطِمَةَ ثِيَابَ هَذِهِ الْمُصِيبَةِ إِلَهِي أَ تُحِلُّ كُرْبَةَ هَذِهِ الْمُصِيبَةِ بِسَاحَتِهِمَا ثُمَّ كَانَ يَقُولُ إِلَهِي ارْزُقْنِي وَلَداً تَقَرُّ بِهِ عَيْنِي عَلَى الْكِبَرِ فَإِذَا رَزَقْتَنِيهِ فَافْتِنِّي بِحُبِّهِ ثُمَّ أَفْجِعْنِي بِهِ كَمَا تُفْجِعُ مُحَمَّداً حَبِيبَكَ بِوَلَدِهِ فَرَزَقَهُ اللَّهُ يَحْيَى وَ فَجَّعَهُ بِهِ وَ كَانَ حَمْلُ يَحْيَى سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَ حَمْلُ الْحُسَيْنِ ع كَذَلِكَ الْخَبَرَ.
وبعد ذكر طرفا من روايات أهل البيت عليهم السلام وللقارئ أن ينظر في بقية الروايات في الكثير من المصادر التاريخية والروائية كبحار الأنوار في الجزء المختص بحياة الإمام الحسين عليه السلام وكتب المقاتل وكتاب كامل الزيارات وأمالي الشيخ الصدوق والطوسي ومجالس الشيخ المفيد عليهم الرحمة وغيرها من الكتب وربما يسأل السائل لماذا لم يرى مثل هذه المراسم العزائية عند غير الشيعة إذا كان الأمر قد صدر من الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وقد مارسه فعلا؟
فإنه يجاب أن الممارسة في حياة النبي صلى الله عليه وأله من قبله شخصيا لم تكن على نطاق واسع بحيث تكون شكل من أشكال الممارسة الجماعية في الصحابة من بعده، وانما كانت ممارسة على نحو خاص في مواطن متعددة هيئة الأرضية لمشروعية للبكاء عليه ، وهكذا كانت ممارسة من بعد النبي صلى الله عليه وآله إلى حين استشهاده عليه السلام، بل يمكن القول بأن الصحابة لم يكونوا على استعداد لقبول الأمر بشكله الواسع لأنه إخبار بغدر القطاع الواسع من الأمة على ابن رسول الله صلى الله عليه وآله، وهذا ما يعني تشكيكا في أهليتهم للإسلام مما يستدعي نقض الغرض لدعوتهم للدين الإسلامي من أول الأمر.
أما بعد استشهاد الحسين وصحبه عليهم السلام فكانت الممارسة من قبل أهل البيت تأخذ شكلا آخر وهو الدعوة لإقامة البكاء والنياحة عليه بشكل جماعي مما يعني المشاركة الواسعة من الموالين لأهل البيت عليهم السلام في طقوس خاصة بالمصيبة جعل أقصى وقتها هو يوم عاشورا فيها يظهرون الحزن والجزع ويقيمون المآتم ونوادي الشعر بأمر من أهل البيت العصمة، وكانت إقامة المأتم تتم في بيوتات أهل البيت عليهم السلام وفي بيوتات أصحابهم مما جعل هذه الممارسة تشكل نوعا من أنواع الولاء لأهل البيت عليهم السلام فيزداد بذلك الارتباط العقائدي، والممارسة على هذا النحو رغم المخاطر التي حفتها على مر التاريخ فقد نقلت من جيل إلى جيل بحيث صارت سمة من سمات الشيعة .
الأمر الثاني: الجانب الغيبي للبكاء على الحسين عليه السلام:
إن المتتبع لروايات أهل البيت يستكشف أن الدمعة لم تكن وليدة بعثة النبي صلى الله عليه وآله بل هذه الدمعة كانت مقدرة في علم الله فنجد بعض الروايات تذكر أن بعض أنبياء الله ورسله قد مارسوا البكاء على الحسين عليه السلام من هذه الروايات فمنها:
1. سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَأَلْتُ الْقَائِمَ ع عَنْ تَأْوِيلِ كهيعص قَالَ ع هَذِهِ الْحُرُوفُ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ اطَّلَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا عَبْدَهُ زَكَرِيَّا ثُمَّ قَصَّهَا عَلَى مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ وَ آلِهِ السَّلَامُ وَ ذَلِكَ أَنَّ زَكَرِيَّا سَأَلَ اللَّهَ رَبَّهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ أَسْمَاءَ الْخَمْسَةِ فَأَهْبَطَ عَلَيْهِ جَبْرَئِيلَ ع فَعَلَّمَهُ إِيَّاهَا فَكَانَ زَكَرِيَّا إِذَا ذَكَرَ مُحَمَّداً وَ عَلِيّاً وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنَ ع سُرِّيَ عَنْهُ هَمُّهُ وَ انْجَلَى كَرْبُهُ وَ إِذَا ذَكَرَ اسْمَ الْحُسَيْنِ خَنَقَتْهُ الْعَبْرَةُ وَ وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْبُهْرَةُ فَقَالَ ع ذَاتَ يَوْمٍ إِلَهِي مَا بَالِي إِذَا ذَكَرْتُ أَرْبَعَةً مِنْهُمْ تَسَلَّيْتُ بِأَسْمَائِهِمْ مِنْ هُمُومِي وَ إِذَا ذَكَرْتُ الْحُسَيْنَ تَدْمَعُ عَيْنِي وَ تَثُورُ زَفْرَتِي فَأَنْبَأَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى عَنْ قِصَّتِهِ....
2. رَوَى صَاحِبُ الدُّرِّ الثَّمِينِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ أَنَّهُ رَأَى سَاقَ الْعَرْشِ وَ أَسْمَاءَ النَّبِيِّ وَ الْأَئِمَّةِ ع فَلَقَّنَهُ جَبْرَئِيلُ قُلْ يَا حَمِيدُ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ يَا عَالِي بِحَقِّ عَلِيٍّ يَا فَاطِرُ بِحَقِّ فَاطِمَةَ يَا مُحْسِنُ بِحَقِّ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ وَ مِنْكَ الْإِحْسَانُ فَلَمَّا ذَكَرَ الْحُسَيْنَ سَالَتْ دُمُوعُهُ وَ انْخَشَعَ قَلْبُهُ وَ قَالَ يَا أَخِي جَبْرَئِيلُ فِي ذِكْرِ الْخَامِسِ يَنْكَسِرُ قَلْبِي وَ تَسِيلُ عَبْرَتِي قَالَ جَبْرَئِيلُ وَلَدُكَ هَذَا يُصَابُ بِمُصِيبَةٍ تَصْغُرُ عِنْدَهَا الْمَصَائِبُ فَقَالَ يَا أَخِي وَ مَا هِيَ قَالَ يُقْتَلُ عَطْشَاناً [عَطْشَانَ] غَرِيباً وَحِيداً فَرِيداً لَيْسَ لَهُ نَاصِرٌ وَ لَا مُعِينٌ وَ لَوْ تَرَاهُ يَا آدَمُ وَ هُوَ يَقُولُ وَا عَطَشَاهْ وَا قِلَّةَ نَاصِرَاهْ حَتَّى يَحُولَ الْعَطَشُ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ السَّمَاءِ كَالدُّخَانِ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ إِلَّا بِالسُّيُوفِ وَ شُرْبِ الْحُتُوفِ فَيُذْبَحُ ذَبْحَ الشَّاةِ مِنْ قَفَاهُ وَ يَنْهَبُ رَحْلَهُ أَعْدَاؤُهُ وَ تُشْهَرُ رُءُوسُهُمْ هُوَ وَ أَنْصَارُهُ فِي الْبُلْدَانِ وَ مَعَهُمُ النِّسْوَانُ كَذَلِكَ سَبَقَ فِي عِلْمِ الْوَاحِدِ الْمَنَّانِ فَبَكَى آدَمُ وَ جَبْرَئِيلُ بُكَاءَ الثَّكْلَى
والمتتبع لمسيرة هذه الدمعة خصوصا بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام سيجد فيه سر بقاء ثورته إلى يومنا هذا ففي مسيرة سبايا الحسين من الكوفة إلى الشام ومن ثم إلى المدينة نجد أن الموقف المرافق الرئيسي للقافلة هو الدمعة والعبرة فزينب عليها السلام والإمام زين العابدين قد أبكايا أهل الكوفة مؤذنان ببداية الجولة الثانية من المعركة الحسينية التي لا نهاية لها إلا بظهور قائم آل محمد صلى الله عليه وآله وعجل الله فرجه الشريف إذ لا يعدو قتل الحسين عليه السلام وأصحابه إلا الجولة الأولى من المعركة وهكذا في عقر دار يزيد لعنه الله استعمل نفس السلاح لإظهار حق الحسين عليه السلام على باطل يزيد لعنه الله، واستمرت الدمعة تسير مع ركب السبايا أينما حلوا أو ارتحلوا سلاحا يقوض كل ظلم ويظهر كل حق لأهل البيت عليهم السلام.
ولو تأملنا قليلا لوجدنا صعوبة هزيمة هذه الدمعة فمهما ملك الطواغيت على مر الزمان من سلاح وعتاد وقوة وعناد فإن الدمعة على ضعفها أقوى من جبروت الطواغيت، لأن قتل الدمعة تحتاج إلى استئصال كل الموالين وأنى لهم ذلك وقد تفرقت الدمعة في كل مكان وفي كل زمان.
هذه الدمعة هي أحد الوسائل التي استعملتها زينب عليها السلام في مواجهتها ليزيد لعنه الله وهي القائلة له: فلئن اتخذتنا مغنما لتتخذنا وشيكا مغرما، حين لا تجد إلا ما قدمت يداك، وما الله بظلام للعبيد، وإلى الله المشتكى، والمعول، وإليه الملجأ والمؤمل ثم كد كيدك، واجهد جهدك، فوالذي شرفنا بالوحي والكتاب، والنبوة والانتجاب، لا تدرك أمدنا، ولا تبلغ غايتنا، ولا تمحو ذكرنا، ولا ترحض عنك عارنا، وهل رأيك إلا فند، وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم ينادي المنادي ألا لعن الظالم العادي والحمد لله الذي حكم لأوليائه بالسعادة وختم لأوصيائه ببلوغ الإرادة....
وبعد هذا يتضح جليا سر هذه الدمعة وسر هذا البكاء والتفجع الذي لا زال إلى يومنا هذا يصدح به الموالون في كل أرض وفي كل زمان يؤكدون به أحقية أهل البيت ويثبتون به عرش قائم آل محمد صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وعجل الله فرجه الشريف.
والحمد لله رب العالمين
مالك محمد علي درويش
محرم الحرام 1431 هـ
شكرا على المدونة
ردحذفشكرا على المدونة
ردحذفشكراااااا على مدونتك الرائعة
ردحذف