الثلاثاء، 11 مايو 2010

لا جمال أزين من العقل

روي عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله ( لَا جَمَالَ أَزْيَنُ مِنَ الْعَقْل‏ ) [ بحار الأنوار ج1، أبواب العقل والجهل باب1 ح5 ]
لو خير المرء بين عقل النبي يوسف عليه السلام وبين جماله فماذا سيكون خياره؟ فصحيح أن أول ما يتراءى للناظر الجمال الظاهري ولكن سرعان ما يُمَل جليس الجاهل والأحمق والغبي مهما بلغ من الجمال الصوري ما بلغ فجمال العقل لا يضاهيه جمال وأدل دليل على ذلك أنه لا يوجد إنسان على وجه الأرض يحب أن يستعاض بعقله عن شيء آخر مهما كانت الظروف ولكن قد يتنازل عن جمال وجهه لو لزمت حياته ذلك وطبع الإنسان معتاد على فقد جماله حتى شيخوخته ولكنه لا يرضى بفقدان عقله عند شيخوخته إلا مقهورا على ذلك.
والغريب في الأمر أن الكثير من مشاهير العالم خصوصا اللهويين وبالأخص الإناث منهم يسعين لتحسين وجوههن لتصدق عليهن المقولة المأثورة ( عقل المرأة في جمالها ) فمثل هذه ترى أن نضارتها وبقاءها واستمرارها كأنثى لا بالعقل بل بمستوى بقاء جمالها المتهالك لا محالة.


الاثنين، 26 أبريل 2010

صلاة أبي بكر جماعة بأمر النبي (ص) الحقيقة والدلالات

مما يستدل على استحقاق الخليفة الأول أبي بكر للإمارة بعد رحيل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى دون سواه هو دعوى أمر الرسول له بالصلاة في أيام مرضه وتعذر ذهابه للصلاة بنفسه، فقيام الخليفة الأول مقام النبي في هذا المقام بأمر منه في أواخر حياته له دليل على كونه الأجدر والأحق بالخلافة، وإلا لما طلب منه ذلك وجعلها من دون تنصيب لأحد حتى لا تشرئب عنق من لا يستحق الإمارة إليها، وحيث أنه قد أوصى بالصلاة لأبي بكر فهو مستحق للإمارة قاطعا بذلك على كل من يحدث بها نفسه
وهنا سأذكر بعض استشهادات بعض علماء السنة الكرام في هذا الموضوع:

الكتاب: الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد على مذهب السلف وأصحاب الحديث
المؤلف : أحمد بن الحسين البيهقي
ج1 ص337 بحسب ترتيب المكتبة الشاملة "باب تنبيه رسول الله صلى الله عليه و سلم على خلافة أبي بكر الصديق بعده وبيان ما في الكتاب من الدلالة على صحة إمامته وإمامة من بعده من الخلفاء الراشدين
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ رحمه الله ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا العباس بن محمد الدوري ثنا الحسين الجعفي عن زايدة عن عبد الملك بن عمير عن أبي بردة عن أبي موسى قال مرض رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال
مروا أبا بكر فليصل بالناس فقالت عائشة يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق متى يقوم مقامك لا يستطيع يصلي بالناس قال فقال
مروا أبا بكر يصلي بالناس فإنكن صواحبات يوسف قال فصلى أبو بكر في حياة رسول الله صلى الله عليه و سلم... إلى آخر حديثه "

الكتاب : السنة ج2 ص301 بحسب ترتيب المكتبة الشاملة
المؤلف : أحمد بن محمد بن هارون بن يزيد الخلال أبو بكر " ذكر خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه
365 - أخبرنا أبو بكر المروذي قال قيل لأبي عبدالله قول النبي يؤم القوم أقرؤهم فلما مرض رسول الله قال قدموا أبا بكر يصلي بالناس وقد كان في القوم من أقرأ من أبي بكر فقال أبو عبدالله إنما أراد الخلافة // إسناد هذا الأثر صحيح"

الكتاب : الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة
المؤلف : أبي العباس أحمد بن محمد بن محمد بن علي إبن حجر الهيتمي
ج1 الفصل الثالث، الحديث السابع،ص 59 بحسب ترتيب المكتبة الشاملة " السابع أخرج الشيخان عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال مرض النبي فاشتد مرضه فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس قالت عائشة يا رسول الله إنه رجل رقيق القلب إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس فقال مري أبا بكر فليصل بالناس فعادت فقال مري أبا بكر فليصل بالناس فإنكن صواحب يوسف فأتاه الرسول فصلى بالناس في حياة رسول الله
وفي رواية أنها لما راجعته فلم يرجع لها قالت لحفصة قولي له يأمر عمر فقالت له فأبى حتى غضب وقال أنتن أو إنكن أو لأنتن صواحب يوسف مروا أبا بكر
اعلم أن هذا الحديث متواتر فإنه ورد من حديث عائشة وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وعبد الله بن زمعة وأبي سعيد وعلي بن أبي طالب وحفصة وفي بعض طرقه عن عائشة لقد راجعت رسول الله في ذلك وما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحب الناس بعده رجلا قام مقامه أبدا ولا كنت أرى أنه لن يقوم أحد مقامه إلا تشاءم الناس به فأردت أن يعدل ذلك رسول الله عن أبي بكر
وفي حديث ابن زمعة أن رسول الله بالصلاة وكان أبو بكر غائبا فتقدم عمر فصلى فقال رسول الله لا لا يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر فيصلي بالناس أبو بكر
و في رواية عنه أنه قال له أخرج وقل لأبي بكر يصلي بالناس فخرج فلم يجد على الباب إلا عمر في جماعة ليس فيهم أبو بكر فقال يا عمر صل بالناس فلما كبر وكان صيتا وسمع صوته قال يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر وفي حديث ابن عمر كبر عمر فسمع رسول الله تكبيره فأطلع رأسه مغضبا فقال أين ابن أبي قحافة
قال العلماء في هذا الحديث أوضح دلالة على أن الصديق أفضل الصحابة على الإطلاق وأحقهم بالخلافة وأولاهم بالإمامة
قال الأشعري قد علم بالضرورة أن رسول الله أمر الصديق أن يصلي بالناس مع حضور المهاجرين والأنصار مع قوله يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فدل على أنه كان أقرأهم أي أعلمهم بالقرآن انتهى
و قد استدل الصحابة أنفسهم بهذا على أنه أحق بالخلافة منهم عمر ومر كلامه في فصل المبايعة ومنهم علي فقد أخرج ابن عساكر عنه لقد أمر النبي أبا بكر أن يصلي بالناس وإني لشاهد وما أنا بغائب وما بي مرض فرضينا لدنيانا ما رضيه النبي لديننا
قال العلماء وقد كان معروفا بأهلية الإمامة في زمان النبي
و أخرج أحمد وأبو داود وغيرهما عن سهل بن سعد قال كان قتال بين بني عمرو وبني عوف فبلغ النبي فأتاهم بعد الظهر ليصلح بينهم فقال يا بلال إن حضرت الصلاة ولم آت فمر أبا بكر فليصل بالناس فلما حضرت صلاة العصر أقام بلال الصلاة ثم أمر أبا بكر فصلى
ووجه ما تقرر من أن الأمر بتقديمه للصلاة كما ذكر فيه الإشارة أو التصريح بأحقيته بالخلافة إذ القصد الذاتي من نصب الإمام العالم إقامة شعائر
الدين على الوجه المأمور به من أداء الواجبات وترك المحرمات وإحياء السنن وإماتة البدع وأما الأمور الدنيوية وتدبيرها كاستيفاء الأموال من وجوهها وإيصالها لمستحقها ودفع الظلم ونحو ذلك فليس مقصودا بالذات بل ليتفرغ الناس لأمور دينهم إذ لا يتم تفرغهم له إلا إذا انتظمت أمور معاشهم بنحو الأمن على الأنفس والأموال ووصول كل ذي حق إلى حقه فلذلك رضي النبي لأمر الدين وهو الإمامة العظمى أبا بكر بتقديمه للإمامة في الصلاة كما ذكرنا ومن ثم أجمعوا على ذلك كما مر
و أخرج ابن عدي عن أبي بكر بن عياش قال قال لي الرشيد يا أبا بكر كيف استخلف الناس أبا بكر الصديق رضي الله عنه قلت يا أمير المؤمنين سكت الله وسكت رسوله وسكت المؤمنون قال والله ما زدتني إلا عماء قلت يا أمير المؤمنين مرض النبي ثمانية أيام فدخل عليه بلال فقال يا رسول الله من يصلي بالناس قال مر أبا بكر فليصل بالناس فصلى أبو بكر بالناس ثمانية أيام والوحي ينزل عليه فسكت رسول الله لسكوت الله وسكت المؤمنون لسكوت رسول الله فأعجبه فقال بارك الله فيك "

هذا الدليل هل يصل إلى درجة الإقناع باستحقاق أبي بكر الإمامة العظمى أم لا؟
الجواب على هذا الدليل يحتاج النظر فيه إلى الروايات التي استند فيها عليه وفي الحقيقة لو أن المسلم نظر للجواب نظرة المنصف الخالي من علائق الشبهة ورواسب العصبية فإنه سيكون له كضياء الشمس في رابعة النهار.
فأولا: مع غض النظر عن كون المستند لا يصلح لإقناع من لا يؤمن بمذهب أهل السنة الكرام، إلا أنه لا يصلح كذلك دليلا لهم على أحقية استلام الخليفة الأول للإمرة مقدما على أمير المؤمنين.
إذ أن القول بأن النبي صلى عليه وآله أمر أبا بكر بالصلاة فيه وجهان إما ان القصة مختلقة موضوعة أو أن تكون حقيقة واقعة وعلى كلا الوجهين فإن أحقيته لاستحقاقه للأمارة بعد النبي غير تام وباطل.
الوجه الأول: أن القصة مختلقة موضوعة: وذلك لعدة أمور أذكر منها اثنين:
الأمر الأول:
أن الروايات الواردة في صلاة أبي بكر مضطربة ومتعارضة، وغاية ما يمكن القول في محاولة الجمع بين الروايات المتعارضة ما أفاده أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة الطحاوي الأزدي في كتابه مشكل الآثار إذ يقول: أن ما كان منه صلى الله عليه وسلم من جلوسه إلى جنب أبي بكر في الصلاة التي كان أبو بكر يؤم الناس فيها ، أراد بذلك أن يكون هو الإمام فيها، وما في حديث مسروق، عن عائشة، وما في حديث أنس، عن صلاة أبي بكر في مرضه ذلك، فذلك عندنا - والله أعلم - في صلاة أخرى - والله أعلم - لأن في حديث ابن عباس، وعائشة، أن أبا بكر قد كان يصلي بالناس تلك الأيام، فدل ذلك: أنه كان صلى بهم صلوات لها عدد، فاحتمل أن يكون صلى بعضها خلف أبي بكر، وبعضها بأبي بكر وبالناس، حتى تتفق الآثار المروية في ذلك، ولا يضاد شيء منها شيئا، وإن فيما قد بينا من إمامة رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا والناس قيام كان أبو حنيفة، وأبو يوسف، وزفر، ومحمد بن إدريس الشافعي رحمهم الله تعالى يذهبون إليه في إجازة إمامة القاعد الذي يركع ويسجد للقائمين الذين يركعون ويسجدون؛ لأن القعود الذي فيه الركوع والسجود لما كان بدلا عن القيام كان البدل كالمبدل منه، وكان فاعل البدل كفاعل المبدل، فجاز أن يكون إماما لأهله، هذا هو القياس في هذا الباب، وقد كان مالك بن أنس، ومحمد بن الحسن يذهبان في ذلك إلى أن لا يؤم قاعد قائما بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويذهب إلى أن الذي كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الصلاة خاصا ليس لأحد من أمته ذلك سواه. وليس لأحد أن يخص شيئا كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بما يوجب له من توقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس عليه.
وفي مقدمة فتح الباري شرح صحيح البخاري لشهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني الشافعي المتوفى: 852 قال: فيحمل هذا الاختلاف على تعدد القصة وقد حمل الشافعي رحمه الله عليه الاختلاف في كونه كان الإمام وأبو بكر يصلي مع الناس خلفه أو كان أبو بكر الإمام ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي خلفه على التعدد لأنه صلى الله عليه وسلم مرض أياما واستخلف فيها أبا بكر فلا يبعد أن يكون خرج إلى الصلاة فيها مرارا والله أعلم.
وبعد هذين النقلين سأوضح لك أن هذا الجمع غير صحيح أصلا وأن التعارض والاضطراب بين الروايات قائما.ولهذا سأقسم الروايات على مجموعات:
المجموعة الأولى:وهي التي تدل على أن أبا بكر صلى أياما قبل ارتحال النبي للرفيق الأعلى، فمنها:
1. سنن البيهقي: 17028- أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ : اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ثَلاَثَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَكَانَ إِذَا وَجَدَ خِفَّةً صَلَّى وَإِذَا ثَقُلَ صَلَّى أَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ.
2. سنن الدارقطني: 1518 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا حَمْدُونُ بْنُ عَبَّادٍ أَبُو جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ حَدَّثَنَا خَارِجَةُ بْنُ مُصْعَبٍ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ مُسْلِمٍ كِلاَهُمَا عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَشْرَةَ أَيَّامٍ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّى بِالنَّاسِ تِسْعَةَ أَيَّامٍ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْعَاشِرِ وَجَدَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- خِفَّةً فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فَصَلَّى خَلْفَ أَبِى بَكْرٍ قَاعِدًا.
وأنت كما ترى فالاضطراب واضح حتى بين هاتين الروايتين، فالرواية الأولى تثبت الصلاة تارة للنبي وتارة لأبي بكر وهي تثبت أن عدد الأيام ثلاثة عشر يوما، أما الرواية الثانية فهي لا تثب إلا صلاة واحدة فقط خرج لها النبي صلى الله عليه وآله، ومدة مرضه عشرة أيام. وبناء عليها فلا يمكن حمل التعدد لصلاة النبي صلى الله عليه وآله مع أبي بكر وأن الصلاة التي خرج إليها صلى الله عليه وآله في مرضه واحدة. ومما يزيد الاضطراب أكثر ما رواه البخاري وهي هذه الرواية.
3. البخاري: 680 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ الأَنْصَارِىُّ - وَكَانَ تَبِعَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - وَخَدَمَهُ وَصَحِبَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُصَلِّى لَهُمْ فِى وَجَعِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - الَّذِى تُوُفِّىَ فِيهِ ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الاِثْنَيْنِ وَهُمْ صُفُوفٌ فِى الصَّلاَةِ ، فَكَشَفَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - سِتْرَ الْحُجْرَةِ يَنْظُرُ إِلَيْنَا ، وَهْوَ قَائِمٌ كَأَنَّ وَجْهَهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ ، ثُمَّ تَبَسَّمَ يَضْحَكُ ، فَهَمَمْنَا أَنْ نَفْتَتِنَ مِنَ الْفَرَحِ بِرُؤْيَةِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ ، وَظَنَّ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - خَارِجٌ إِلَى الصَّلاَةِ ، فَأَشَارَ إِلَيْنَا النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ ، وَأَرْخَى السِّتْرَ ، فَتُوُفِّىَ مِنْ يَوْمِهِ.
فظاهر الرواية أن النبي طوال مرضه لم يصل بهم حتى يوم الاثنين اليوم الذي توفي فيه النبي إلا أن يقال أن المراد بها هي صلاة الصبح وآخر صلاة للنبي هي صلاة الظهر، ولكن هذا لا يعالج الاضطراب إذ أنها ستحصر الصلاة التي صلاه النبي مع أبي بكر في مرضه هي صلاة واحدة مما يؤكد الخبر الثاني على الخبر الأول وهذا مما يزيد في الاضطراب اضطرابا إذ بعضها يثبت كون النبي على اليمين وبعضها على اليسار وبعضها في الخلف.
وما رواه أحمد في مسنده والبخاري يزيد في الطين بلة:
4. مسند أحمد: 13435- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا يَزِيدُ أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ - يَعْنِى ابْنَ حُسَيْنٍ - عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَرَضَهُ الَّذِى تُوُفِّىَ فِيهِ أَتَاهُ بِلاَلٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلاَةِ فَقَالَ بَعْدَ مَرَّتَيْنِ « يَا بِلاَلُ قَدْ بَلَّغْتَ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُصَلِّ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَدَعْ ». فَرَجَعَ إِلَيْهِ بِلاَلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِى أَنْتَ وَأُمِّى مَنْ يُصَلِّى بِالنَّاسِ قَالَ « مُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ ». فَلَمَّا أَنْ تَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ رُفِعَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- السُّتُورُ - قَالَ - فَنَظَرْنَا إِلَيْهِ كَأَنَّهُ وَرَقَةٌ بَيْضَاءُ عَلَيْهِ خَمِيصَةٌ فَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ يَتَأَخَّرُ وَظَنَّ أَنَّهُ يُرِيدُ الْخُرُوجَ إِلَى الصَّلاَةِ فَأَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى أَبِى بَكْرٍ أَنْ يَقُومَ فَيُصَلِّىَ فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَصَلَّى بِالنَّاسِ فَمَا رَأَيْنَاهُ بَعْدُ.
5. البخاري: 681 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ لَمْ يَخْرُجِ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - ثَلاَثًا ، فَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ ، فَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ يَتَقَدَّمُ فَقَالَ نَبِىُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْحِجَابِ فَرَفَعَهُ ، فَلَمَّا وَضَحَ وَجْهُ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - مَا نَظَرْنَا مَنْظَرًا كَانَ أَعْجَبَ إِلَيْنَا مِنْ وَجْهِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ وَضَحَ لَنَا ، فَأَوْمَأَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ إِلَى أَبِى بَكْرٍ أَنْ يَتَقَدَّمَ ، وَأَرْخَى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - الْحِجَابَ ، فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ.
فلو أن الرسول خرج إليهم لكان قد رأوه وفي الرواية الأخيرة أنه لم يقدر عليه حتى مات فمعناه حسب ظاهر هاتين الروايتين أن الرسول لم يخرج حتى لصلاة الظهر والتي هي آخر صلاة له. وهذا مما يثير الاستغراب والحيرة في نقل هذه الواقعة الواحدة بشكل يصعب الجمع فيه بل يستحيل.
المجموعة الثانية: وهي الروايات الدالة على الصلاة الأخيرة للنبي قبل وفاته:
1. سنن ابن ماجة: 1292 - حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ الْجَهْضَمِىُّ أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ مِنْ كِتَابِهِ فِى بَيْتِهِ قَالَ سَلَمَةُ بْنُ نُبَيْطٍ أَنْبَأَنَا عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِى هِنْدٍ عَنْ نُبَيْطِ بْنِ شَرِيطٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ أُغْمِىَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى مَرَضِهِ ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ « أَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ ». قَالُوا نَعَمْ. قَالَ « مُرُوا بِلاَلاً فَلْيُؤَذِّنْ وَمُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ - أَوْ لِلنَّاسِ - ». ثُمَّ أُغْمِىَ عَلَيْهِ فَأَفَاقَ فَقَالَ « أَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ ». قَالُوا نَعَمْ. قَالَ « مُرُوا بِلاَلاً فَلْيُؤَذِّنْ وَمُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ ». ثُمَّ أُغْمِىَ عَلَيْهِ فَأَفَاقَ فَقَالَ « أَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ ». قَالُوا نَعَمْ. قَالَ « مُرُوا بِلاَلاً فَلْيُؤَذِّنْ وَمُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ ». فَقَالَتْ عَائِشَةُ إِنَّ أَبِى رَجُلٌ أَسِيفٌ فَإِذَا قَامَ ذَلِكَ الْمُقَامَ يَبْكِى لاَ يَسْتَطِيعُ فَلَوْ أَمَرْتَ غَيْرَهُ. ثُمَّ أُغْمِىَ عَلَيْهِ فَأَفَاقَ فَقَالَ « مُرُوا بِلاَلاً فَلْيُؤَذِّنْ وَمُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ أَوْ صَوَاحِبَاتُ يُوسُفَ ». قَالَ فَأُمِرَ بِلاَلٌ فَأَذَّنَ وَأُمِرَ أَبُو بَكْرٍ فَصَلَّى بِالنَّاسِ ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَجَدَ خِفَّةً فَقَالَ « انْظُرُوا لِى مَنْ أَتَّكِئُ عَلَيْهِ ». فَجَاءَتْ بَرِيرَةُ وَرَجُلٌ آخَرُ فَاتَّكَأَ عَلَيْهِمَا فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ ذَهَبَ لِيَنْكُصَ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَنِ اثْبُتْ مَكَانَكَ ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِ أَبِى بَكْرٍ حَتَّى قَضَى أَبُو بَكْرٍ صَلاَتَهُ ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قُبِضَ...
إذا بدلالة هذه الرواية تثبت أن النبي صلى الله عليه وآله كان بجنب أبي بكر من دون الإشارة إلى اليمين أو الشمال.ولكنها متعارضة مع بعض روايات المجموعة الأولى النافية للصلاة الأخيرة.
2. سنن ابن ماجة: 1293 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ عَنِ الأَرْقَمِ بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَرَضَهُ الَّذِى مَاتَ فِيهِ كَانَ فِى بَيْتِ عَائِشَةَ. فَقَالَ « ادْعُوا لِى عَلِيًّا ». قَالَتْ عَائِشَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَدْعُو لَكَ أَبَا بَكْرٍ قَالَ « ادْعُوهُ ». قَالَتْ حَفْصَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَدْعُو لَكَ عُمَرَ قَالَ « ادْعُوهُ ». قَالَتْ أُمُّ الْفَضْلِ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَدْعُو لَكَ الْعَبَّاسَ قَالَ « نَعَمْ ». فَلَمَّا اجْتَمَعُوا رَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رَأْسَهُ فَنَظَرَ فَسَكَتَ فَقَالَ عُمَرُ قُومُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. ثُمَّ جَاءَ بِلاَلٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلاَةِ فَقَالَ « مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ ». فَقَالَتْ عَائِشَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ حَصِرٌ وَمَتَى لاَ يَرَاكَ يَبْكِى وَالنَّاسُ يَبْكُونَ فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ يُصَلِّى بِالنَّاسِ. فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ فَصَلَّى بِالنَّاسِ فَوَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَرِجْلاَهُ تَخُطَّانِ فِى الأَرْضِ فَلَمَّا رَآهُ النَّاسُ سَبَّحُوا بِأَبِى بَكْرٍ فَذَهَبَ لِيَسْتَأْخِرَ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- أَىْ مَكَانَكَ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَجَلَسَ عَنْ يَمِينِهِ وَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْتَمُّ بِالنَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- وَالنَّاسُ يَأْتَمُّونَ بِأَبِى بَكْرٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ الْقِرَاءَةِ مِنْ حَيْثُ كَانَ بَلَغَ أَبُو بَكْرٍ. قَالَ وَكِيعٌ وَكَذَا السُّنَّةُ. قَالَ فَمَاتَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى مَرَضِهِ ذَلِكَ....
وهي مع تعارضها مع بعض روايات المجموعة الأولى النافية لصلاته الأخيرة أو الصلوات أجمع فهي تثبت أن النبي صلى عن يمين أبي بكر وهو الإمام وأبو بكر مأموما وأماما، فلا يحصل تعارض مع سابقتها من تحديد الجهة التي صلى فيها النبي صلوات الله عليه وعلى أهل بيته
3. مسند أحمد: 12952- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ أَخْبَرَنِى حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ آخِرُ صَلاَةٍ صَلاَّهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَعَ الْقَوْمِ صَلَّى فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحاً بِهِ خَلْفَ أَبِى بَكْرٍ.
وفي هذه الرواية لها معارضان المعرض الأول تلك الروايات التي في المجموعة الأولى والمعارض الثاني ما سبقها من نفس المجموعة إذ أنها تثبت أن النبي عليه وعلى أهل بيته أفضل الصلاة والسلام صلى خلف أبي بكر ولا ندري كيف يكون النبي تارة يصلي في الجنب وفي اليمين وتارة في الخلف وهي صلاة واحدة.
المجموعة الثالثة: وهي الروايات التي فيها طلب عائشة إعفاء أبي بكر من الصلاة.
وهذه المجموعة لا يتوقع فيها أن تكون الحادثة متعددة فلا يعقل أن تكرر عائشة نفس الطلب كل مرة ويقوم النبي بتقريعها، والتعارض والاضطراب فيها واضح.
1. البخاري 664 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ قَالَ حَدَّثَنِى أَبِى قَالَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ الأَسْوَدُ قَالَ كُنَّا عِنْدَ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - فَذَكَرْنَا الْمُوَاظَبَةَ عَلَى الصَّلاَةِ وَالتَّعْظِيمَ لَهَا ، قَالَتْ لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَضَهُ الَّذِى مَاتَ فِيهِ ، فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَأُذِّنَ ، فَقَالَ « مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ » . فَقِيلَ لَهُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ ، إِذَا قَامَ فِى مَقَامِكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّىَ بِالنَّاسِ ، وَأَعَادَ فَأَعَادُوا لَهُ ، فَأَعَادَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ « إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ » . فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ فَصَلَّى ، فَوَجَدَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً ، فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ كَأَنِّى أَنْظُرُ رِجْلَيْهِ تَخُطَّانِ مِنَ الْوَجَعِ ، فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَتَأَخَّرَ ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ مَكَانَكَ ، ثُمَّ أُتِىَ بِهِ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ . قِيلَ لِلأَعْمَشِ وَكَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّى وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّى بِصَلاَتِهِ ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاَةِ أَبِى بَكْرٍ فَقَالَ بِرَأْسِهِ نَعَمْ . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الأَعْمَشِ بَعْضَهُ . وَزَادَ أَبُو مُعَاوِيَةَ جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِى بَكْرٍ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّى قَائِمًا .
2. مسلم 968 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى - وَاللَّفْظُ لَهُ - قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- جَاءَ بِلاَلٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلاَةِ فَقَالَ « مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ ». قَالَتْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ إِنَّهُ مَتَى يَقُمْ مَقَامَكَ لاَ يُسْمِعِ النَّاسَ فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ. فَقَالَ « مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ ». قَالَتْ فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ قُولِى لَهُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ وَإِنَّهُ مَتَى يَقُمْ مَقَامَكَ لاَ يُسْمِعِ النَّاسَ فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ. فَقَالَتْ لَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّكُنَّ لأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ. مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ ». قَالَتْ فَأَمَرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّى بِالنَّاسِ - قَالَتْ - فَلَمَّا دَخَلَ فِى الصَّلاَةِ وَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَقَامَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَرِجْلاَهُ تَخُطَّانِ فِى الأَرْضِ - قَالَتْ - فَلَمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ سَمِعَ أَبُو بَكْرٍ حِسَّهُ ذَهَبَ يَتَأَخَّرُ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قُمْ مَكَانَكَ. فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِى بَكْرٍ - قَالَتْ - فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّى بِالنَّاسِ جَالِسًا وَأَبُو بَكْرٍ قَائِمًا يَقْتَدِى أَبُو بَكْرٍ بِصَلاَةِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- وَيَقْتَدِى النَّاسُ بِصَلاَةِ أَبِى بَكْرٍ.
الاضطراب بين هاتين الروايتين بالإضافة إلى ما سبق من الاختلاف في الجهة فيما بينها وتعارضها مع بعض الروايات الواردة في المجموعة الأولى هو أن الرواية هي عائشة ففي الأولى تقول:" فَقِيلَ لَهُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ " ومن خلال تقريع النبي صلى الله عليه وآله بقوله "أنكن صواحب يوسف " يظهر من خلالها إسناد الكلام إلى بعض نساء النبي غير عائشة، ولكن في الرواية الثانية يتضح بصورة قاطعة للشك أن القائلة هي نفس عائشة لا غير، فلا نعلم لماذا أخفت عائشة أو أخفي نسبة القول لها تارة والتصريح بها تارة أخرى.

3. سنن ابن ماجة: 1293 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ عَنِ الأَرْقَمِ بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَرَضَهُ الَّذِى مَاتَ فِيهِ كَانَ في بَيْتِ عَائِشَةَ. فَقَالَ « ادْعُوا لي عَلِيًّا ». قَالَتْ عَائِشَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَدْعُو لَكَ أَبَا بَكْرٍ قَالَ « ادْعُوهُ ». قَالَتْ حَفْصَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَدْعُو لَكَ عُمَرَ قَالَ « ادْعُوهُ ». قَالَتْ أُمُّ الْفَضْلِ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَدْعُو لَكَ الْعَبَّاسَ قَالَ « نَعَمْ ». فَلَمَّا اجْتَمَعُوا رَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رَأْسَهُ فَنَظَرَ فَسَكَتَ فَقَالَ عُمَرُ قُومُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. ثُمَّ جَاءَ بِلاَلٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلاَةِ فَقَالَ « مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ ». فَقَالَتْ عَائِشَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ حَصِرٌ وَمَتَى لاَ يَرَاكَ يَبْكِى وَالنَّاسُ يَبْكُونَ فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ يُصَلِّى بِالنَّاسِ. فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ فَصَلَّى بِالنَّاسِ فَوَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَرِجْلاَهُ تَخُطَّانِ في الأَرْضِ فَلَمَّا رَآهُ النَّاسُ سَبَّحُوا بِأَبِى بَكْرٍ فَذَهَبَ لِيَسْتَأْخِرَ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- أَىْ مَكَانَكَ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَجَلَسَ عَنْ يَمِينِهِ وَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْتَمُّ بِالنَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- وَالنَّاسُ يَأْتَمُّونَ بِأَبِى بَكْرٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ الْقِرَاءَةِ مِنْ حَيْثُ كَانَ بَلَغَ أَبُو بَكْرٍ. قَالَ وَكِيعٌ وَكَذَا السُّنَّةُ. قَالَ فَمَاتَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى مَرَضِهِ ذَلِكَ.
4. البخاري: 712 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ لَمَّا مَرِضَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - مَرَضَهُ الَّذِى مَاتَ فِيهِ أَتَاهُ بِلاَلٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلاَةِ فَقَالَ « مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ » . قُلْتُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ ، إِنْ يَقُمْ مَقَامَكَ يَبْكِى فَلاَ يَقْدِرُ عَلَى الْقِرَاءَةِ . قَالَ « مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ » . فَقُلْتُ مِثْلَهُ فَقَالَ فِى الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ « إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ » . فَصَلَّى وَخَرَجَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ ، كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَخُطُّ بِرِجْلَيْهِ الأَرْضَ ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ ذَهَبَ يَتَأَخَّرُ ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ أَنْ صَلِّ ، فَتَأَخَّرَ أَبُو بَكْرٍ - رضى الله عنه - وَقَعَدَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى جَنْبِهِ ، وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُ النَّاسَ التَّكْبِيرَ .
وهذه الرواية بالإضافة على ما فيها تعطي أن مهمة أبو بكر هي إسماع التكبير وهي تخرجه عن كونه إماما للآخرين بل غاية عمله رفع الصوت للتكبير الذي لا يخرج المصلي عن كونه مأموما ضمن المأمومين لا أنه إماما ومأموما في آن واحد.
5. مسند أحمد: 20230- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِىٍّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِى بُرْدَةَ بْنِ أَبِى مُوسَى عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَاشْتَدَّ مَرَضُهُ فَقَالَ « مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّ بِالنَّاسِ ». فَقَالَتْ عَائِشَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ مَتَى يَقُومُ مَقَامَكَ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُصَلِّىَ بِالنَّاسِ. قَالَ « مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبَاتُ يُوسُفَ ». فَأَتَاهُ الرَّسُولُ فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ بِالنَّاسِ فِى حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
فانظر إلى تهافت الروايات في الحادثة الواحدة فبعضها يثبت أن النبي صلى على يمين أبي بكر، وأخرى على يساره، وأخرى تثبت أن أبا بكر يسمع الناس التكبير فلا تدل على كونه مأموما وإماما في نفس الوقت كما تدل عليه الروايات السابقة، وأخرى لا تعدو أن تثبت صلاة أبي يكر من دون خروج النبي صلى الله عليه وآله.
.............
الأمر الثاني:
قد نص بعض كبار علماء السنة أن أبو بكر كان في ضمن جيش أسامة فمنهم المتقي الهندي في كنز العمال وهذا نصه:" عن عروة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد قطع بعثا قبل موتة وأمر عليه أسامة بن زيد وفي ذلك البعث أبو بكر وعمر" [كنز العمال-ج10-ص570].
ومنهم ابن سعد في الطبقات الكبرى وهذا نصه: "حدثنا عبد الوهاب بن عطاء العجلي قال أخبرنا العمري عن نافع عن بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية فيهم أبو بكر وعمر واستعمل عليهم أسامة بن زيد"[ الطبقات الكبرى - ج 2 - ص 249]
ومنهم ابن عساكر في تاريخ دمشق وهذا نصه:" 596 أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل بن عبد العزى ابن امرئ القيس بن عامر بن النعمان بن عبد ود بن كنانة بن عوف ابن عذرة بن عدي بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب أبو زيد ويقال أبو محمد ويقال أبو حارثة ويقال أبو يزيد حب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وابن حبه استعمله رسول الله على جيش فهي أبو بكر وعمر فلم ينفذ حتى توفي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فبعثه أبو بكر إلى الشام" [ تاريخ دمشق- ج8 - ص 46]
وغير ذلك من الأعلام.
ولهذا كيف يعقل أن يأمر النبي صلى الله عليه وآله أبو بكر بالصلاة وهو مأمور بالالتزام بتنفيذ جيش أسامه فالرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن مات وهو يقول لمن رجع نفذوا جيش أسامة أو قال بعث أسامة بل وزاد على ذلك الشهرستاني في الملل والنحل قوله صلى الله عليه وآله وسلم "لعن الله من تخلف عن جيش أسامة"
وقد حاول البعض التملص من هذا الإشكال بنفي كون أبي بكر في الجيش، واستدلوا بأن أمر النبي له بالصلاة دلالة على عدم وجوده، أو إجازة له بالرجوع عن الجيش، كل هذا هروبا من حصول المعصية بمخالفة أمر النبي صلى الله عليه وآله، والغريب في هذا الجواب أنهم قد تناسوا أن عمر بن الخطاب وعبيدة بن الجراح اللذان لا يختلف عليهما أحد في أنهما في جيش أسامة قد تخلفا عنه كذلك وقد شهدا السقيفة مع أبي بكر، فمن أراد رفع الإشكال بمخالفة أمر النبي صلى الله عليه وآله أوقعاه في صاحبيه، وعلى كل حال لو سلمنا جدلا عدم وجوده مبتعثا مع جيش أسامة فيكفيك التناقض والتهافت السابق في الروايات
........................
الجهة الثانية: لو سلمنا جدلا بأن النبي قد أمر أبو بكر بالصلاة في أواخر عمره الشريف، فإنه لا دلالة في ذلك على أحقيته لاستلام منصب الإمامة العظمى وذلك لأمور:
الأمر الأول:
كيف يصح قياس الإمامة الصغرى بالإمامة الكبرى فلو أن كل من ثبتت له الإمامة الصغرى تثبت له الإمامة الكبرى لثبت ذلك لكثير من الصحابة اللذين صلوا بأمر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم كابن أم مكتوم وعبد الرحمان بن عوف وغيرهما.
ففي مسند أحمد: 1687- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا هَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ - قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَمِعْتُهُ أَنَا مِنَ الْهَيْثَمِ بْنِ خَارِجَةَ - حَدَّثَنَا رِشْدِينُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى سَفَرٍ فَذَهَبَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- لِحَاجَتِهِ فَأدْرَكَهُمْ وَقْتُ الصَّلاَةِ فَأَقَامُوا الصَّلاَةَ فَتَقَدَّمَهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَجَاءَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- فَصَلَّى مَعَ النَّاسِ خَلْفَهُ رَكْعَةً فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ « أَصَبْتُمْ ». أَوْ « أَحْسَنْتُمْ ».
إذا بهذه الرواية يكون عبد الرحمان له حق المطالبة بالأمارة لأن النبي قد صلى خلفه. إلا أن يقال أن هذه الصلاة لم تكن بأمر النبي صلى الله عليه وآله فلا تدل على الاستحقاق. ولكن قد يجاب بأن صلاة النبي خلفه وإن لم تكن بأمره مباشرة ولكن باعتبار مشروعيتها لعبد الرحمن وصلاة النبي خلفه تجمع شرطي الأهلية للاستخلاف، فلو لم يكن أهلا لذلك لما صلى النبي خلفه إذ أن الناس بعد علمهم بصلاة النبي خلفه سيتوهمون استحقاقه، فكان على النبي صلى الله عليه وآله أن يضع مائزا بين المستحق للخلافة وغير المستحق للخلافة بنفس الصلاة خلفه فيقول مثلا أن الأمر المباشر للصلاة شرط في تحقق الاستحقاق وأن كون الصلاة هي آخر صلاة في عهدي هي شرط في الاستحقاق وحيث لم يبين بخطاب يفصل في الأمر تكون صلاة النبي خلف أي شخص كاف لأهليته واستحقاقه للخلافة.
وفي سنن ابي داوود: 595 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَنْبَرِىُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِىٍّ حَدَّثَنَا عِمْرَانُ الْقَطَّانُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- اسْتَخْلَفَ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ يَؤُمُّ النَّاسَ وَهُوَ أَعْمَى.
فهل يحق لابن أم مكتوم المطالبة بالإمارة لاستخلافه الرسول لأن يؤم الناس.
الأمر الثاني:
كيف يمكن الاستدلال بالإمامة الصغرى على الكبرى والإمامة الصغرى تجوز للبر والفاجر كما يذهب له بعض الأئمة من أهل السنة فقد روى الدار قطني: 1784 - حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ النُّعْمَانِىُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَنَانٍ حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ حَدَّثَنَا الأَشْعَثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الصَّلاَةُ وَاجِبَةٌ عَلَيْكُمْ مَعَ كُلِّ مُسْلِمٍ بَرَّ كَانَ أَوْ فَاجَرَ وَإِنْ هُوَ عَمِلَ بِالْكَبَائِرِ وَالْجِهَادُ وَاجِبٌ عَلَيْكُمْ مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ بَرَّ كَانَ أَوْ فَاجَرَ وَإِنْ عَمِلَ بِالْكَبَائِرِ وَالصَّلاَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَمُوتُ بَرٍّ كَانَ أَوْ فَاجِرٍ وَإِنْ عَمِلَ بِالْكَبَائِرِ ».
وفي شرح سنن ابن داوود لأبي محمد محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين الغيتابى الحنفى بدر الدين العينى (المتوفى : 855هـ) قال: وقد روى الدارقطني بإسناده إلى أبي هريرة: " سَيليكم بعدي ولاةٌ ، فاسمعوا لهم وأطيعوا فيما وافق الحق، وصلُّوا وراءهم، فإن أحسنوا فلهم، وإن أساءوا فعليهم " .
واستفيد من الحديث: جواز الصلاة خلف البر والفاجر. وكان بعض السلف يُصلون في بيوتهم في الوقت ثم يُعيدون معهم؛ وهو مذهب مالك. وعن بعض السلف: لا يعيدون؛ قال النخعي: كان عبد اللّه يُصلي معهم إذا أخروا عن الوقت قليلا، ويرى أن مأثم ذلك عليهم.
وروى ابن ماجه (4) بسند صحيح، عن ابن مسعود قال: قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سَتُدركون أقوامًا يُصلون الصلاة لغير وقتها، فإن أدركتموهم فصلوا في بيوتكم للوقت الذي تعرفون، ثم صلوا معهم واجعلوها سبحة " .
ولكن يمكن أن يرد على هذا الوجه أنه وإن كانت الصلاة تجوز خلف البر والفاجر إلا أن ذلك على نحو الجواز العام لو تم دليله، ولكن حتى مع صحة الدليل لا يتصور أن النبي يقوم بالأمر المباشر لشخص بالصلاة وهو يعلم فسقه وفيهم البر والعدل.
نعم ارتفاع الإشكال من هذه الجهة لا تعني وقوع صلاته خارجا فما سبق ولحق من إشكالات كافية في الجواب
الأمر الثالث:
لو كانت صلاة أبي بكر لها دلالة على الاستخلاف والخلافة لما أنكر ذلك عمر بأن النبي لم يستخلف أحدا ففي مسند أحمد: "329- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ وَعَفَّانُ قَالاَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَوْدِىِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِىِّ حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ بِالْبَصْرَةِ قَالَ أَنَا أَوَّلُ مَنْ أَتَى عُمَرَ حِينَ طُعِنَ فَقَالَ احْفَظْ عَنِّى ثَلاَثاً فَإِنِّى أَخَافُ أَنْ لاَ يُدْرِكَنِى النَّاسُ أَمَّا أَنَا فَلَمْ أَقْضِ فِى الْكَلاَلَةِ قَضَاءً وَلَمْ أَسْتَخْلِفْ عَلَى النَّاسِ خَلِيفَةً وَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِى عَتِيقٌ . فَقَالَ لَهُ النَّاسُ اسْتَخْلِفْ. فَقَالَ أَىَّ ذَلِكَ أَفْعَلُ فَقَدْ فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّى إِنْ أَدَعْ إِلَى النَّاسِ أَمْرَهُمْ فَقَدْ تَرَكَهُ نَبِىُّ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ وَإِنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدِ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّى أَبُو بَكْرٍ"
فلو أن الصلاة بأمر النبي فيها دلالة على استحقاق الخلافة لما حق لخليفة عمر أن ينسب أن أمر الخلافة قد تركه النبي للناس وأما ما النسائي والحاكم عن عمر أنه قد قال في السقيفة يا معشر الأنصار ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أبا بكر أن يؤم الناس؟ فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر، فقالت الأنصار: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر
فيرده أنه لو كان الأمر بمعنى أنه استحقاق أبي بكر للخلافة بدعوى الصلاة بأمر النبي لما خالف ذلك الأنصار وهو يعلمون بالحال بناء على عدالتهم بل ولما صح لأبي بكر دفع الخلافة في السقيفة لعمر أو لأبي عبيدة كما في الرواية قوله: فبايعوا عمر بن الخطاب أو أبا عبيدة بن الجراح .
بل أن غالبية المصادر التي تذكر قصة السقيفة لا تذكر مقولة عمر في صلاة أبي بكر ولو كانت على قدر من الأهمية بحيث تثبت استحقاقه للخلافة لما عداه أحد من مؤرخي السنة ورواتهم، ولكن يبدو أن إمامة أبي بكر للصلاة لو صح لا يشكل الدليل الواضح على استحقاقه للصلاة بجدارة.
بهذا المقدار اكتفي في الرد على من ذهب لاستحقاق الخليفة الأول الإمارة والخلافة بالصلاة جماعة بأمر النبي صلى الله عليه وآله، وإن كانت هناك ردود أخرى يمكن إضافتها ولكن تجنب للإطالة اجتنبناها.
والحمد لله رب العالمين
..................


الاثنين، 21 ديسمبر 2009

سر البكاء على الحسين عليه السلام

في ليلية الخميس وهي آخر ليلة من ليالي ذي القعدة اجتمع الرجال والشباب لتوديع عزيز وحبيب من أحباء قريتنا العزيزة الشاب علي ابن الشيخ حسن الشاخوري، وليس بالغريب أن تجد دموعا من عين أب أو عم أو أخ أو قريب أو شاب أو شيخ تجري على خدوده.
كنت جالسا بالقرب من فضيلة الشيخ عيسى عيد ننظر إلى قبره بعدما وُرِيَ الثرى، قال لي أن كلمة من خطيب قريتنا المفوه الشيخ مهدي ملا حسن أعجبته يقول في أحد مجالسه أن المصيبة إذا وقعت بفقد حبيب أو عزيز تقع كبيرة جدا ولكنها ما تلبث بتقادم الزمان أن تصغر وتصغر إلا مصيبة أبي عبد الله الحسين عليه السلام فهي لا تصغر مهما تقادم الزمان، وفي صباح يوم الخميس رقى منبر التعزية على روح العزيز عمه فضيلة الشيخ خليل الشاخوري وبعد شكره للمعزين والمواسين لهم في مصابهم الجلل جاعلا ذلك مدخلا لمن اعتادت عيونه حفر القنوات على خدوده من سيل دموعه على مصيبة هي أعظم المصائب مصيبة أبي عبد الله الحسين عليه السلام مذكرا الناس بأن زينب عليها السلام في ليلة مصيبتها وفقدها للأحبة والأعزة لم يواسيها أحد، فأجهش الحضور بالبكاء.
هذا البكاء بهذه المرارة والغزارة لم أره قط في أي مصيبة من مصائبنا الشخصية التي تمر علينا نحن الشيعة إلا في مجالس الحسين وأهل بيته عليهم السلام। فأي سر يحويه هذا البكاء بحيث يكون متفجرا في أشد حالاته حينما يلون بدم الحسين عليه السلام ويخبو وينقطع حينما يبتعد عن لون الحسين عليه السلام؟

الفرض الأول:
أن يقال لنا بأننا ذوات عواطف جياشة فنقول بأن هذا ليس بمقنع، فلسنا فريدين في هذا الكون نختزل العاطفة في نفوسنا وتنقطع عن باقي البشر، فنحن كباقي البشر نملك نفس المشاعر والعواطف، ولكننا نظل نبكي ولا ينقطع بكائنا بنفس الحرارة في كل ذكرى لأهل البيت عليهم السلام وينقطع عند الناس بكائهم على مصائبهم بتقادم الزمان عليها حتى لا يبقى منها في أكابرها إلا ذكر اسمها واحتفالا يخلوه الصراخ والعويل والبكاء।

الفرض الثاني:
أن يقال بأن حبكم للحسين وأهل بيته عليهم السلام يفوق حبكم لأنفسكم وأهليكم، وشدة الحب التي تفوق وله العشاق تجعل مصيبته حاضرة لكم فكلما تذكرتموه بكيتم عليه كبكاء الأم الفاقدة لوحيدها فإنه يجاب بما أجبنا عليه آنفا فإن ذلك غير كاف إذ أن الكثير من البشر يذوبون في معشوقهم بل يصل الحال ببعضهم أن ينتحروا ليحرروا أنفسهم من قيد حبهم فيتخلصوا من حياتهم وعشقهم في آن واحد ولكن أمثال هؤلاء أفراد، ونحن نتكلم على طائفة تحوي الملايين كلهم على منوال واحد في البكاء على مصابهم الفريد هذا مع الفارق الكبير بين بكائنا وبكاء فاقد المعشوق الذي يريد أن يخلص نفسه من قيد المعشوقية أما نحن فنتسابق في زيادة قيد المعشوقية ونجتهد في زيادة البكاء ونأنس به كأنسنا بمن يلاقي معشوقه بعد غياب، فكلنا في حال من اللهفة على قدوم أيام عاشوراء كي نطلق لعيوننا العنان فينحدر منها سيول الدموع إلى أودية الوفاء والحب والعشق هذا من جهة ومن جهة أخرى نجد أن الأقوام المليونية من الطوائف الأخرى الاسلامية وغير الاسلامية تعشق قادتها وتحبهم أكثر من حبها لأنفسهم يصل بها الحد للتضحية بالغالي والنفيس من أجله في أثناء حياته وبعد مماته ولكننا لم نجد طائفة من غيرنا تبكي قادتها لفقدهم كبكائنا لفقد قادتنا عليهم السلام فاصبح البكاء لنا عادة ورسما نوصف به وتمييزا لنا عن باقي الطوائف।

الفرض الثالث:
أن يقال أن المصيبة عظيمة تفوق في عظمتها كل المصائب المتصورة لديكم بل أنه لم ولن تمرّ مصيبة عليكم تكون في تكون في تصورها أعظم منها فكل مصيبة هي عندكم أهون منها। ويجاب عليه أن هذا الأمر وإن كان صحيحا بلحاظ أن شخصية الحسين عليه السلام هي من أعظم الشخصيات بالنسبة لدينا على وجه الأرض إذ لا يدانيه في الفضل إلا الأشباح الأربعة السابقة عليه وكل من يلحقه يكون هو أدون منه فضلا ما عدا أولاده الأئمة التسعة المعصومون عليهم السلام، ولكن كون الحسين من أفضل الشخصيات عندنا له مثيل في باقي الطوائف فالمسيحيون يرون أفضلية عيسى ابن مريم عليه السلام على الخلائق وهم يرون أنه قد قتل بأبشع الصور وعذب بأشد أنواع التعذيب، وقد بكى الكثير منهم وتأثروا لما شاهدوا الفيلم المسمى بأللآم المسيح ولكن هذا لم يجعلهم كديانة مسيحية تتخذ البكاء شعارا لها في كل ذكرى لرحيله عندهم। وفي العالم مصائب يراه الناس أنها من أعظم المصائب والكوارث التي تحل على البشرية جراء ظلم بني البشر من حكام الجور فيقتل الألآف في لحظة بأبشع صور القتل والتنكيل لحفظ كيان الديكتاتورية، ولكن مع هذا فإن الزمان كفيل بأن يهون ألم مصابها في نفوس البشر المهتمين بالقضية فضلا عن اللامبالين।

الفرض الرابع: القول بأن الشيعة قد عانت طوال التاريخ الظلم والاستبعاد والقهر والاضطهاد، وهي بذلك تتستر بالدمعة على الحسين عليه السلام تسلية لأنفسهم من جور حكام الزمان। هذا قول لو تنزلنا وقلنا بصحته لا يرقى لأن يجيب على استمرار البكاء إلى زماننا هذا الذي نعيش فيه زهوة النصر على أعدائنا بقيام الدولة الإسلامية في إيران وانتصارات حزب الله على إسرائيل اللقيطة، فإننا نلحظ الزخم الكبير الذي تعتني به إيران المحافظة على هذه الدمعة، والتعلق بعرى الحسين عليه السلام لا يزال ظاهرا في حزب الله تقوده الدمعة وتسقيه العبرة।
ولو أردنا أن نسترسل لأخرجنا فروضا عدة لا تفي بالإجابة على سر البكاء عند الشيعة الإمامية ولكن اختصارا نذكر أمرين يكونان من متممات الفروض السابقة التي بهما يشكلان الحلقة المفقودة في فهم سر بقاء البكاء حتى يومنا هذا.
الأمر الأول: أن هناك سلوكا من الفعل والقول من قبل أهل البيت عليهم السلام سبق ولحق واقعة كربلاء كان يؤصل للبكاء كمنهج عام للتعامل مع الحسين عليه السلام يربط الموالين به برباط عقائدي وشرعي। وهذا السلوك من قبل أهل البيت عليهم السلام قد مورس بأكثر من قرنين ونصف، بحيث أن أصحاب الأئمة ومن لحقهم جيلا بعد جيل أصبح البكاء عندهم كالملكة النفسانية عند ذكر مصاب أهل البيت ينقادون له كانقياد الرضيع إلى محالب أمه. وللاستشهاد بذلك نصنف الروايات إلى قسمين :

القسم الأول: الأقوال والأفعال الصادرة من أهل البيت العصمة قبل فاجعة كربلاء منها:
1. عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ حُلُماً مُنْكَراً، قَالَ: وَمَا هُوَ، قَالَتْ: إِنَّهُ شَدِيدٌ، قَالَ: وَمَا هُوَ، قَالَتْ: رَأَيْتُ كَأَنَّ قِطْعَةً مِنْ جَسَدِكَ قَدْ قُطِعَتْ وَوُضِعَتْ فِي حَجْرِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: خَيْراً رَأَيْتِ تَلِدُ فَاطِمَةُ غُلَاماً فَيَكُونُ فِي حَجْرِكِ فَوَلَدَتْ فَاطِمَةُ عليها السلام الْحُسَيْنَ عليه السلام، قَالَتْ: وَكَانَ فِي حَجْرِي كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ فَدَخَلْتُ بِهِ يَوْماً عَلَى النَّبِيِّ فَوَضَعْتُهُ فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله ثُمَّ حَانَتْ مِنِّي الْتِفَاتَةً فَإِذَا عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ تُهْرِقَانِ بِالدُّمُوعِ، فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَكَ، قَالَ: أَتَانِي جَبْرَئِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ أُمَّتِي يَقْتُلُ [تَقْتُلُ‏] ابْنِي هَذَا وَأَتَانِي بِتُرْبَةٍ حَمْرَاءَ مِنْ تُرْبَتِهِ.
2. عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله ذَاتَ يَوْمٍ جَالِساً وَالْحُسَيْنُ جَالِسٌ فِي حَجْرِهِ إِذْ هَمَلَتْ عَيْنَاهُ بِالدُّمُوعِ فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لِي أَرَاكَ تَبْكِي جُعِلْتُ فِدَاكَ قَالَ جَاءَنِي جَبْرَئِيلُ فَعَزَّانِي بِابْنِيَ الْحُسَيْنِ وَأَخْبَرَنِي أَنَّ طَائِفَةً مِنْ أُمَّتِي تَقْتُلُهُ لَا أَنَالَهَا اللَّهُ شَفَاعَتِي.
3. عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: كَانَ الْحُسَيْنُ مَعَ أُمِّهِ تَحْمِلُهُ فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وَقَالَ: لَعَنَ اللَّهُ قَاتِلَكَ وَلَعَنَ اللَّهُ سَالِبَكَ وَأَهْلَكَ اللَّهُ الْمُتَوَازِرِينَ عَلَيْكَ وَحَكَمَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَ مَنْ أَعَانَ عَلَيْكَ، قَالَتْ فَاطِمَةُ الزَّهْرَاءُ: يَا أَبَتِ أَيَّ شَيْ‏ءٍ تَقُولُ، قَالَ: يَا بِنْتَاهْ ذَكَرْتُ مَا يُصِيبُهُ بَعْدِي وَبَعْدَكِ مِنَ الْأَذَى وَالظُّلْمِ وَالْغَدْرِ وَالْبَغْيِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ فِي عُصْبَةٍ كَأَنَّهُمْ نُجُومُ السَّمَاءِ يَتَهَادَوْنَ إِلَى الْقَتْلِ وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُعَسْكَرِهِمْ وَإِلَى مَوْضِعِ رِحَالِهِمْ وَتُرْبَتِهِمْ، قَالَتْ: يَا أَبَهْ وَأَيْنَ هَذَا الْمَوْضِعُ الَّذِي تَصِفُ، قَالَ: مَوْضِعٌ يُقَالُ لَهُ كَرْبَلَاءُ وَ هِيَ دَارُ كَرْبٍ وَ بَلَاءٍ عَلَيْنَا وَ عَلَى الْأُمَّةِ يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ شِرَارُ أُمَّتِي لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ شَفَعَ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرَضِينَ مَا شُفِّعُوا فِيهِ وَ هُمُ الْمُخَلَّدُونَ فِي النَّارِ قَالَتْ يَا أَبَهْ فَيُقْتَلُ قَالَ نَعَمْ يَا بِنْتَاهْ وَ مَا قُتِلَ قَتْلَتَهُ أَحَدٌ كَانَ قَبْلَهُ وَ يَبْكِيهِ السَّمَاوَاتُ وَ الْأَرَضُونَ وَ الْمَلَائِكَةُ وَ الْوَحْشُ وَ النَّبَاتَاتُ وَ الْبِحَارُ وَ الْجِبَالُ وَ لَوْ يُؤْذَنُ لَهَا مَا بَقِيَ عَلَى الْأَرْضِ مُتَنَفِّسٌ وَ يَأْتِيهِ قَوْمٌ مِنْ مُحِبِّينَا لَيْسَ فِي الْأَرْضِ أَعْلَمُ بِاللَّهِ وَ لَا أَقْوَمُ بِحَقِّنَا مِنْهُمْ وَ لَيْسَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ غَيْرُهُمْ أُولَئِكَ مَصَابِيحُ فِي ظُلُمَاتِ الْجَوْرِ وَ هُمُ الشُّفَعَاءُ وَ هُمْ وَارِدُونَ حَوْضِي غَداً أَعْرِفُهُمْ إِذَا وَرَدُوا عَلَيَّ بِسِيمَاهُمْ وَ كُلُّ أَهْلِ دِينٍ يَطْلُبُونَ أَئِمَّتَهُمْ وَ هُمْ يَطْلُبُونَنَا لَا يَطْلُبُونَ غَيْرَنَا وَ هُمْ قِوَامُ الْأَرْضِ وَ بِهِمْ يَنْزِلُ الْغَيْثُ فَقَالَتْ فَاطِمَةُ الزَّهْرَاءُ ع يَا أَبَهْ إِنَّا لِلَّهِ وَ بَكَتْ فَقَالَ لَهَا يَا بِنْتَاهْ إِنَّ أَفْضَلَ أَهْلِ الْجِنَانِ هُمُ الشُّهَدَاءُ فِي الدُّنْيَا بَذَلُوا أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا......
4. فِي مُثِيرِ الْأَحْزَانِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ ص مَرَضُهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ ضَمَّ الْحُسَيْنَ ع إِلَى صَدْرِهِ يَسِيلُ مِنْ عَرَقِهِ عَلَيْهِ وَ هُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ وَ يَقُولُ مَا لِي وَ لِيَزِيدَ لَا بَارَكَ اللَّهُ فِيهِ اللَّهُمَّ الْعَنْ يَزِيدَ ثُمَّ غُشِيَ عَلَيْهِ طَوِيلًا وَ أَفَاقَ وَ جَعَلَ يُقَبِّلُ الْحُسَيْنَ وَ عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ وَ يَقُولُ أَمَا إِنَّ لِي وَ لِقَاتِلِكَ مُقَاماً بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ
5. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كُنْتُ مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع فِي خَرْجَتِهِ إِلَى صِفِّينَ فَلَمَّا نَزَلَ بِنَيْنَوَى وَ هُوَ بِشَطِّ الْفُرَاتِ قَالَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ أَ تَعْرِفُ هَذَا الْمَوْضِعَ قُلْتُ لَهُ مَا أَعْرِفُهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ ع لَوْ عَرَفْتَهُ كَمَعْرِفَتِي لَمْ تَكُنْ تَجُوزُهُ حَتَّى تَبْكِيَ كَبُكَائِي قَالَ فَبَكَى طَوِيلًا حَتَّى اخْضَلَّتْ لِحْيَتُهُ وَ سَالَتِ الدُّمُوعُ عَلَى صَدْرِهِ وَ بَكَيْنَا مَعاً وَ هُوَ يَقُولُ أَوِّهْ أَوِّهْ مَا لِي وَ لِآلِ أَبِي سُفْيَانَ مَا لِي وَ لآِلِ حَرْبٍ حِزْبِ الشَّيْطَانِ وَ أَوْلِيَاءِ الْكُفْرِ صَبْراً يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فَقَدْ لَقِيَ أَبُوكَ مِثْلَ الَّذِي تَلْقَى مِنْهُمْ....
6. عَنِ الْقَدَّاحِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ ع قَالَ مَرَّ عَلِيٌّ بِكَرْبَلَاءَ فِي اثْنَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ قَالَ فَلَمَّا مَرَّ بِهَا تَرَقْرَقَتْ عَيْنَاهُ لِلْبُكَاءِ ثُمَّ قَالَ هَذَا مُنَاخُ رِكَابِهِمْ وَ هَذَا مُلْقَى رِحَالِهِمْ وَ هَاهُنَا تُهَرَاقُ دِمَاؤُهُمْ طُوبَى لَكِ مِنْ تُرْبَةٍ عَلَيْكِ تُهَرَاقُ دِمَاءُ الْأَحِبَّةِ
7. عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ع قَالَ مَا مِنْ عَبْدٍ قَطَرَتْ عَيْنَاهُ فِينَا قَطْرَةً أَوْ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ فِينَا دَمْعَةً إِلَّا بَوَّأَهُ اللَّهُ بِهَا فِي الْجَنَّةِ حُقُباً


القسم الثاني: الأقوال والأفعال الصادرة من أهل البيت العصمة بعد فاجعة كربلاء منها:
1. عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع يَقُولُ أَيُّمَا مُؤْمِنٍ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ لِقَتْلِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ دَمْعَةً حَتَّى تَسِيلَ عَلَى خَدِّهِ بَوَّأَهُ اللَّهُ بِهَا فِي الْجَنَّةِ غُرَفاً يَسْكُنُهَا أَحْقَاباً وَ أَيُّمَا مُؤْمِنٍ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ دَمْعاً حَتَّى يَسِيلَ عَلَى خَدِّهِ لِأَذًى مَسَّنَا مِنْ عَدُوِّنَا فِي الدُّنْيَا بَوَّأَهُ اللَّهُ مُبَوَّأَ صِدْقٍ فِي الْجَنَّةِ وَ أَيُّمَا مُؤْمِنٍ مَسَّهُ أَذًى فِينَا فَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ حَتَّى يَسِيلَ دَمْعُهُ عَلَى خَدَّيْهِ مِنْ مَضَاضَةِ مَا أُوذِيَ فِينَا صَرَفَ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ الْأَذَى وَ آمَنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَخَطِهِ وَ النَّارِ.
2. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ كَيْفَ صَارَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمَ مُصِيبَةٍ وَ غَمٍّ وَ جَزَعٍ وَ بُكَاءٍ دُونَ الْيَوْمِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَتْ فِيهِ فَاطِمَةُ ع وَ الْيَوْمِ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع وَ الْيَوْمِ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ الْحَسَنُ ع بِالسَّمِّ فَقَالَ إِنَّ يَوْمَ قُتِلَ الْحُسَيْنُ ع أَعْظَمُ مُصِيبَةً مِنْ جَمِيعِ سَائِرِ الْأَيَّامِ وَ ذَلِكَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكِسَاءِ الَّذِينَ كَانُوا أَكْرَمَ الْخَلْقِ عَلَى اللَّهِ كَانُوا خَمْسَةً فَلَمَّا مَضَى عَنْهُمُ النَّبِيُّ بَقِيَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ فَاطِمَةُ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ ع فَكَانَ فِيهِمْ لِلنَّاسِ عَزَاءٌ وَ سَلْوَةٌ فَلَمَّا مَضَتْ فَاطِمَةُ ع كَانَ فِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ ع لِلنَّاسِ عَزَاءٌ وَ سَلْوَةٌ فَلَمَّا مَضَى مِنْهُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ لِلنَّاسِ فِي الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ ع عَزَاءٌ وَ سَلْوَةٌ فَلَمَّا مَضَى الْحَسَنُ ع كَانَ لِلنَّاسِ فِي الْحُسَيْنِ عَزَاءٌ وَ سَلْوَةٌ فَلَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ الْكِسَاءِ أَحَدٌ لِلنَّاسِ فِيهِ بَعْدَهُ عَزَاءٌ وَ سَلْوَةٌ فَكَانَ ذَهَابُهُ كَذَهَابِ جَمِيعِهِمْ كَمَا كَانَ بَقَاؤُهُ كَبَقَاءِ جَمِيعِهِمْ فَلِذَلِكَ صَارَ يَوْمُهُ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ مُصِيبَةً......
3. عَنِ ابْنِ خَارِجَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ كُنَّا عِنْدَهُ فَذَكَرْنَا الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ ع وَ عَلَى قَاتِلِهِ لَعْنَةُ اللَّهِ فَبَكَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع وَ بَكَيْنَا قَالَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ ع أَنَا قَتِيلُ الْعَبْرَةِ لَا يَذْكُرُنِي مُؤْمِنٌ إِلَّا بَكَى.
4. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَّانَ عَنِ ابْنِ أَبِي شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَالِبٍ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فَأَنْشَدْتُهُ مَرْثِيَةَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ع فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ
لَبَلِيَّةٌ تَسْقُوا حُسَيْناً بِمِسْقَاةِ الثَّرَى غَيْرِ التُّرَابِ‏
صَاحَتْ بَاكِيَةً مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ يَا أَبَتَاهْ.
5. عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ إِنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عِنْدَ رَبِّهِ عَزَّ وَ جَلَّ يَنْظُرُ إِلَى مُعَسْكَرِهِ وَ مَنْ حَلَّهُ مِنَ الشُّهَدَاءِ مَعَهُ وَ يَنْظُرُ إِلَى زُوَّارِهِ وَ هُوَ أَعْرَفُ بِهِمْ وَ بِأَسْمَائِهِمْ وَ أَسْمَاءِ آبَائِهِمْ وَ بِدَرَجَاتِهِمْ وَ مَنْزِلَتِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْ أَحَدِكُمْ بِوَلَدِهِ وَ إِنَّهُ لَيَرَى مَنْ يَبْكِيهِ فَيَسْتَغْفِرُ لَهُ وَ يَسْأَلُ آبَاءَهُ ع أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لَهُ وَ يَقُولُ لَوْ يَعْلَمُ زَائِرِي مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ لَكَانَ فَرَحُهُ أَكْثَرَ مِنْ جَزَعِهِ وَ إِنَّ زَائِرَهُ لَيَنْقَلِبُ وَ مَا عَلَيْهِ مِنْ ذَنْبٍ
6. عَنْ أَبِي عُمَارَةَ الْمُنْشِدِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قَالَ لِي يَا أَبَا عُمَارَةَ أَنْشِدْنِي فِي الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ فَأَنْشَدْتُهُ فَبَكَى ثُمَّ أَنْشَدْتُهُ فَبَكَى قَالَ فَوَ اللَّهِ مَا زِلْتُ أُنْشِدُهُ وَ يَبْكِي حَتَّى سَمِعْتُ الْبُكَاءَ مِنَ الدَّارِ قَالَ فَقَالَ يَا بَا عُمَارَةَ مَنْ أَنْشَدَ فِي الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ شِعْراً فَأَبْكَى خَمْسِينَ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَ مَنْ أَنْشَدَ فِي الْحُسَيْنِ شِعْراً فَأَبْكَى ثَلَاثِينَ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَ مَنْ أَنْشَدَ فِي الْحُسَيْنِ شِعْراً فَأَبْكَى عِشْرِينَ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَ مَنْ أَنْشَدَ فِي الْحُسَيْنِ شِعْراً فَأَبْكَى عَشَرَةً فَلَهُ الْجَنَّةُ وَ مَنْ أَنْشَدَ فِي الْحُسَيْنِ شِعْراً فَأَبْكَى وَاحِداً فَلَهُ الْجَنَّةُ وَ مَنْ أَنْشَدَ فِي الْحُسَيْنِ شِعْراً فَبَكَى فَلَهُ الْجَنَّةُ وَ مَنْ أَنْشَدَ فِي الْحُسَيْنِ شِعْراً فَتَبَاكَى فَلَهُ الْجَنَّةُ.
7. عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي مَحْمُودٍ قَالَ قَالَ الرِّضَا ع إِنَّ الْمُحَرَّمَ شَهْرٌ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُحَرِّمُونَ فِيهِ الْقِتَالَ فَاسْتُحِلَّتْ فِيهِ دِمَاؤُنَا وَ هُتِكَتْ فِيهِ حُرْمَتُنَا وَ سُبِيَ فِيهِ ذَرَارِيُّنَا وَ نِسَاؤُنَا وَ أُضْرِمَتِ النِّيرَانُ فِي مَضَارِبِنَا وَ انْتُهِبَ مَا فِيهَا مِنْ ثِقْلِنَا وَ لَمْ تُرْعَ لِرَسُولِ اللَّهِ حُرْمَةٌ فِي أَمْرِنَا إِنَّ يَوْمَ الْحُسَيْنِ أَقْرَحَ جُفُونَنَا وَ أَسْبَلَ دُمُوعَنَا وَ أَذَلَّ عَزِيزَنَا بِأَرْضِ كَرْبٍ وَ بَلَاءٍ أَوْرَثَتْنَا الْكَرْبَ وَ الْبَلَاءَ إِلَى يَوْمِ الِانْقِضَاءِ فَعَلَى مِثْلِ الْحُسَيْنِ فَلْيَبْكِ الْبَاكُونَ فَإِنَّ الْبُكَاءَ عَلَيْهِ يَحُطُّ الذُّنُوبَ الْعِظَامَ ثُمَّ قَالَ ع كَانَ أَبِي إِذَا دَخَلَ شَهْرُ الْمُحَرَّمِ لَا يُرَى ضَاحِكاً وَ كَانَتِ الْكَآبَةُ تَغْلِبُ عَلَيْهِ حَتَّى يَمْضِيَ مِنْهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْعَاشِرِ كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ مُصِيبَتِهِ وَ حُزْنِهِ وَ بُكَائِهِ وَ يَقُولُ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ الْحُسَيْنُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ.
8. عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ فَضَّالٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الرِّضَا ع قَالَ مَنْ تَرَكَ السَّعْيَ فِي حَوَائِجِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ قَضَى اللَّهُ لَهُ حَوَائِجَ الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ وَ مَنْ كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمَ مُصِيبَتِهِ وَ حُزْنِهِ وَ بُكَائِهِ جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَوْمَ فَرَحِهِ وَ سُرُورِهِ وَ قَرَّتْ بِنَا فِي الْجِنَانِ عَيْنُهُ وَ مَنْ سَمَّى يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَوْمَ بَرَكَةٍ وَ ادَّخَرَ فِيهِ لِمَنْزِلِهِ شَيْئاً لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيمَا ادَّخَرَ وَ حُشِرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ يَزِيدَ وَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ وَ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ لَعَنَهُمُ اللَّهُ إِلَى أَسْفَلِ دَرْكٍ مِنَ النَّارِ
9. عن سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَأَلْتُ الْقَائِمَ ع عَنْ تَأْوِيلِ كهيعص قَالَ ع هَذِهِ الْحُرُوفُ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ اطَّلَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا عَبْدَهُ زَكَرِيَّا ثُمَّ قَصَّهَا عَلَى مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ وَ آلِهِ السَّلَامُ وَ ذَلِكَ أَنَّ زَكَرِيَّا سَأَلَ اللَّهَ رَبَّهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ أَسْمَاءَ الْخَمْسَةِ فَأَهْبَطَ عَلَيْهِ جَبْرَئِيلَ ع فَعَلَّمَهُ إِيَّاهَا فَكَانَ زَكَرِيَّا إِذَا ذَكَرَ مُحَمَّداً وَ عَلِيّاً وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنَ ع سُرِّيَ عَنْهُ هَمُّهُ وَ انْجَلَى كَرْبُهُ وَ إِذَا ذَكَرَ اسْمَ الْحُسَيْنِ خَنَقَتْهُ الْعَبْرَةُ وَ وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْبُهْرَةُ فَقَالَ ع ذَاتَ يَوْمٍ إِلَهِي مَا بَالِي إِذَا ذَكَرْتُ أَرْبَعَةً مِنْهُمْ تَسَلَّيْتُ بِأَسْمَائِهِمْ مِنْ هُمُومِي وَ إِذَا ذَكَرْتُ الْحُسَيْنَ تَدْمَعُ عَيْنِي وَ تَثُورُ زَفْرَتِي فَأَنْبَأَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى عَنْ قِصَّتِهِ فَقَالَ كهيعص فَالْكَافُ اسْمُ كَرْبَلَاءَ وَ الْهَاءُ هَلَاكُ الْعِتْرَةِ الطَّاهِرَةِ وَ الْيَاءُ يَزِيدُ وَ هُوَ ظَالِمُ الْحُسَيْنِ وَ الْعَيْنُ عَطَشُهُ وَ الصَّادُ صَبْرُهُ فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ زَكَرِيَّا لَمْ يُفَارِقْ مَسْجِدَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَ مَنَعَ فِيهِنَّ النَّاسَ مِنَ الدُّخُولِ عَلَيْهِ وَ أَقْبَلَ عَلَى الْبُكَاءِ وَ النَّحِيبِ وَ كَانَ يُرْثِيهِ إِلَهِي أَ تُفَجِّعُ خَيْرَ جَمِيعِ خَلْقِكَ بِوَلَدِهِ إِلَهِي أَ تُنْزِلُ بَلْوَى هَذِهِ الرَّزِيَّةِ بِفِنَائِهِ إِلَهِي أَ تُلْبِسُ عَلِيّاً وَ فَاطِمَةَ ثِيَابَ هَذِهِ الْمُصِيبَةِ إِلَهِي أَ تُحِلُّ كُرْبَةَ هَذِهِ الْمُصِيبَةِ بِسَاحَتِهِمَا ثُمَّ كَانَ يَقُولُ إِلَهِي ارْزُقْنِي وَلَداً تَقَرُّ بِهِ عَيْنِي عَلَى الْكِبَرِ فَإِذَا رَزَقْتَنِيهِ فَافْتِنِّي بِحُبِّهِ ثُمَّ أَفْجِعْنِي بِهِ كَمَا تُفْجِعُ مُحَمَّداً حَبِيبَكَ بِوَلَدِهِ فَرَزَقَهُ اللَّهُ يَحْيَى وَ فَجَّعَهُ بِهِ وَ كَانَ حَمْلُ يَحْيَى سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَ حَمْلُ الْحُسَيْنِ ع كَذَلِكَ الْخَبَرَ.

وبعد ذكر طرفا من روايات أهل البيت عليهم السلام وللقارئ أن ينظر في بقية الروايات في الكثير من المصادر التاريخية والروائية كبحار الأنوار في الجزء المختص بحياة الإمام الحسين عليه السلام وكتب المقاتل وكتاب كامل الزيارات وأمالي الشيخ الصدوق والطوسي ومجالس الشيخ المفيد عليهم الرحمة وغيرها من الكتب وربما يسأل السائل لماذا لم يرى مثل هذه المراسم العزائية عند غير الشيعة إذا كان الأمر قد صدر من الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وقد مارسه فعلا؟
فإنه يجاب أن الممارسة في حياة النبي صلى الله عليه وأله من قبله شخصيا لم تكن على نطاق واسع بحيث تكون شكل من أشكال الممارسة الجماعية في الصحابة من بعده، وانما كانت ممارسة على نحو خاص في مواطن متعددة هيئة الأرضية لمشروعية للبكاء عليه ، وهكذا كانت ممارسة من بعد النبي صلى الله عليه وآله إلى حين استشهاده عليه السلام، بل يمكن القول بأن الصحابة لم يكونوا على استعداد لقبول الأمر بشكله الواسع لأنه إخبار بغدر القطاع الواسع من الأمة على ابن رسول الله صلى الله عليه وآله، وهذا ما يعني تشكيكا في أهليتهم للإسلام مما يستدعي نقض الغرض لدعوتهم للدين الإسلامي من أول الأمر.
أما بعد استشهاد الحسين وصحبه عليهم السلام فكانت الممارسة من قبل أهل البيت تأخذ شكلا آخر وهو الدعوة لإقامة البكاء والنياحة عليه بشكل جماعي مما يعني المشاركة الواسعة من الموالين لأهل البيت عليهم السلام في طقوس خاصة بالمصيبة جعل أقصى وقتها هو يوم عاشورا فيها يظهرون الحزن والجزع ويقيمون المآتم ونوادي الشعر بأمر من أهل البيت العصمة، وكانت إقامة المأتم تتم في بيوتات أهل البيت عليهم السلام وفي بيوتات أصحابهم مما جعل هذه الممارسة تشكل نوعا من أنواع الولاء لأهل البيت عليهم السلام فيزداد بذلك الارتباط العقائدي، والممارسة على هذا النحو رغم المخاطر التي حفتها على مر التاريخ فقد نقلت من جيل إلى جيل بحيث صارت سمة من سمات الشيعة .

الأمر الثاني: الجانب الغيبي للبكاء على الحسين عليه السلام:
إن المتتبع لروايات أهل البيت يستكشف أن الدمعة لم تكن وليدة بعثة النبي صلى الله عليه وآله بل هذه الدمعة كانت مقدرة في علم الله فنجد بعض الروايات تذكر أن بعض أنبياء الله ورسله قد مارسوا البكاء على الحسين عليه السلام من هذه الروايات فمنها:
1. سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَأَلْتُ الْقَائِمَ ع عَنْ تَأْوِيلِ كهيعص قَالَ ع هَذِهِ الْحُرُوفُ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ اطَّلَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا عَبْدَهُ زَكَرِيَّا ثُمَّ قَصَّهَا عَلَى مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ وَ آلِهِ السَّلَامُ وَ ذَلِكَ أَنَّ زَكَرِيَّا سَأَلَ اللَّهَ رَبَّهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ أَسْمَاءَ الْخَمْسَةِ فَأَهْبَطَ عَلَيْهِ جَبْرَئِيلَ ع فَعَلَّمَهُ إِيَّاهَا فَكَانَ زَكَرِيَّا إِذَا ذَكَرَ مُحَمَّداً وَ عَلِيّاً وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنَ ع سُرِّيَ عَنْهُ هَمُّهُ وَ انْجَلَى كَرْبُهُ وَ إِذَا ذَكَرَ اسْمَ الْحُسَيْنِ خَنَقَتْهُ الْعَبْرَةُ وَ وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْبُهْرَةُ فَقَالَ ع ذَاتَ يَوْمٍ إِلَهِي مَا بَالِي إِذَا ذَكَرْتُ أَرْبَعَةً مِنْهُمْ تَسَلَّيْتُ بِأَسْمَائِهِمْ مِنْ هُمُومِي وَ إِذَا ذَكَرْتُ الْحُسَيْنَ تَدْمَعُ عَيْنِي وَ تَثُورُ زَفْرَتِي فَأَنْبَأَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى عَنْ قِصَّتِهِ....
2. رَوَى صَاحِبُ الدُّرِّ الثَّمِينِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ أَنَّهُ رَأَى سَاقَ الْعَرْشِ وَ أَسْمَاءَ النَّبِيِّ وَ الْأَئِمَّةِ ع فَلَقَّنَهُ جَبْرَئِيلُ قُلْ يَا حَمِيدُ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ يَا عَالِي بِحَقِّ عَلِيٍّ يَا فَاطِرُ بِحَقِّ فَاطِمَةَ يَا مُحْسِنُ بِحَقِّ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ وَ مِنْكَ الْإِحْسَانُ فَلَمَّا ذَكَرَ الْحُسَيْنَ سَالَتْ دُمُوعُهُ وَ انْخَشَعَ قَلْبُهُ وَ قَالَ يَا أَخِي جَبْرَئِيلُ فِي ذِكْرِ الْخَامِسِ يَنْكَسِرُ قَلْبِي وَ تَسِيلُ عَبْرَتِي قَالَ جَبْرَئِيلُ وَلَدُكَ هَذَا يُصَابُ بِمُصِيبَةٍ تَصْغُرُ عِنْدَهَا الْمَصَائِبُ فَقَالَ يَا أَخِي وَ مَا هِيَ قَالَ يُقْتَلُ عَطْشَاناً [عَطْشَانَ‏] غَرِيباً وَحِيداً فَرِيداً لَيْسَ لَهُ نَاصِرٌ وَ لَا مُعِينٌ وَ لَوْ تَرَاهُ يَا آدَمُ وَ هُوَ يَقُولُ وَا عَطَشَاهْ وَا قِلَّةَ نَاصِرَاهْ حَتَّى يَحُولَ الْعَطَشُ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ السَّمَاءِ كَالدُّخَانِ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ إِلَّا بِالسُّيُوفِ وَ شُرْبِ الْحُتُوفِ فَيُذْبَحُ ذَبْحَ الشَّاةِ مِنْ قَفَاهُ وَ يَنْهَبُ رَحْلَهُ أَعْدَاؤُهُ وَ تُشْهَرُ رُءُوسُهُمْ هُوَ وَ أَنْصَارُهُ فِي الْبُلْدَانِ وَ مَعَهُمُ النِّسْوَانُ كَذَلِكَ سَبَقَ فِي عِلْمِ الْوَاحِدِ الْمَنَّانِ فَبَكَى آدَمُ وَ جَبْرَئِيلُ بُكَاءَ الثَّكْلَى
والمتتبع لمسيرة هذه الدمعة خصوصا بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام سيجد فيه سر بقاء ثورته إلى يومنا هذا ففي مسيرة سبايا الحسين من الكوفة إلى الشام ومن ثم إلى المدينة نجد أن الموقف المرافق الرئيسي للقافلة هو الدمعة والعبرة فزينب عليها السلام والإمام زين العابدين قد أبكايا أهل الكوفة مؤذنان ببداية الجولة الثانية من المعركة الحسينية التي لا نهاية لها إلا بظهور قائم آل محمد صلى الله عليه وآله وعجل الله فرجه الشريف إذ لا يعدو قتل الحسين عليه السلام وأصحابه إلا الجولة الأولى من المعركة وهكذا في عقر دار يزيد لعنه الله استعمل نفس السلاح لإظهار حق الحسين عليه السلام على باطل يزيد لعنه الله، واستمرت الدمعة تسير مع ركب السبايا أينما حلوا أو ارتحلوا سلاحا يقوض كل ظلم ويظهر كل حق لأهل البيت عليهم السلام.
ولو تأملنا قليلا لوجدنا صعوبة هزيمة هذه الدمعة فمهما ملك الطواغيت على مر الزمان من سلاح وعتاد وقوة وعناد فإن الدمعة على ضعفها أقوى من جبروت الطواغيت، لأن قتل الدمعة تحتاج إلى استئصال كل الموالين وأنى لهم ذلك وقد تفرقت الدمعة في كل مكان وفي كل زمان.
هذه الدمعة هي أحد الوسائل التي استعملتها زينب عليها السلام في مواجهتها ليزيد لعنه الله وهي القائلة له: فلئن اتخذتنا مغنما لتتخذنا وشيكا مغرما، حين لا تجد إلا ما قدمت يداك، وما الله بظلام للعبيد، وإلى الله المشتكى، والمعول، وإليه الملجأ والمؤمل ثم كد كيدك، واجهد جهدك، فوالذي شرفنا بالوحي والكتاب، والنبوة والانتجاب، لا تدرك أمدنا، ولا تبلغ غايتنا، ولا تمحو ذكرنا، ولا ترحض عنك عارنا، وهل رأيك إلا فند، وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم ينادي المنادي ألا لعن الظالم العادي والحمد لله الذي حكم لأوليائه بالسعادة وختم لأوصيائه ببلوغ الإرادة....
وبعد هذا يتضح جليا سر هذه الدمعة وسر هذا البكاء والتفجع الذي لا زال إلى يومنا هذا يصدح به الموالون في كل أرض وفي كل زمان يؤكدون به أحقية أهل البيت ويثبتون به عرش قائم آل محمد صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وعجل الله فرجه الشريف.
والحمد لله رب العالمين
مالك محمد علي درويش
محرم الحرام 1431 هـ





الثلاثاء، 15 سبتمبر 2009

كيفية حساب منتصف الليل...
الأخ العزيز علي حنون جبر الطائي أحن الله عليك قلب رسوله وخليفته وجبر خاطرك بالسير على منهاجه...يختلف حساب منتصف الليل من فقيه إلى آخر إذ يعتمد ذلك على حساب بداية الليل ونهايته.بعض الفقها عنده بداية الليل يحصل بسقوط القرص والمشهور عند فقهاء الإمامية هو زوال الحمرة المشرقية وهو ما يعبر عندهم بالغروب الشرعي والفرق بين التوقيتين يقارب الربع ساعة.ومن جهة نهاية الليل فبعض الفقهاء يرى أنه ينتهي بالفجر الصادق والبعض الآخر ينتهي عنده بشروق الشمس.ولهذا سيختلف منتصف الليل في التوقيت من فقيه إلى آخرولكن طريقة الحساب سهلة جدا.فالعملية تقوم بحساب عدد الساعات ما بين بداية الليل ونهايته ثم نقسم ذلك على اثنين وبه يتحدد النصف الأول من النصف الثاني.
وسأطرح ذلك بمثال على كل الاحتمالات
إذا كان سقوط القرص هو الساعة السادسة وذهاب الحمرة المشرقية هو الساعة السادسة والربع وبداية الفجر هو الساعة الرابعة وشروق الشمس هو الساعة الخامسة والنصف.
فالفقيه الذي يرى أن بداية الليل هو سقوط القرص ونهايته هو الفجر فإن عدد ساعات الليل تساوي عشر ساعات وبالقسمة على اثنين فالناتج خمسة فنحسب بعد سقوط القرص بخمس ساعات فيكون منتصف الليل أي بحسب رأي هذا الفقيه يكون منتصف الليل هو الساعة الحادية عشرة
ولو أخذنا فقيها أخربداية الليل عنده سقوط القرص ونهايته هو شروق الشمس فيكون عدد ساعات الليل هو إحدى عشرة ساعة ونصف فيكون نصف الليل عنده بعد خمسة ساعات وثلاثة ارباع الساعة أي أن منتصف الليل عند الساعة الساعة الحادية عشرة وخمسة واربعين دقيقة
وهكذا يجري الحساب لو أردنا أن نحسب بداية الليل من الذهاب الحمرة المشرقية.
وعلى كل حال فمن أهم المسائل الابتلائية بتحديد منتصف الليل هو المبيت في منى ليلة الحادي عشر والثاني عشر من ذي الحجة إذ يجب على الحاج أن يبيت النصف الأول أو الثاني فإذا اختار النصف الأول لم يجز له الخروج إلا بعد منتصف الليل وهنا تظهر الفائدة جليا من الالتزام بالتقليد في الخروج أوالعمل بالإحتياط ومن الفوائد لحساب منتصف الليل هو بداية الشروع في نافلة الليل على تفصيل ليس هذا محله.
بقية استفساراتك أخي العزيز الطائي أجيب عليها لاحقا.

الثلاثاء، 1 سبتمبر 2009

التوبة من ظواهر الذنوب وبواطنها نور ليالي شهر رمضان

قال تعالى ﴿وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ﴾ [الأنعام : 120]العقل البشري بما منحه الله من قوة التمييز بين الحق والباطل لقوله تعالى ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ [البلد : 10] لا تبقى عنده الحجة على فعل المعاصي فبعقله يدرك القبيح ويدرك الحسن ، وإدراكه هذا هو الذي يميزه عن بقية المخلوقات العجماوية وعلى هذا العقل يحاسب الإنسان يوم الطامة الكبرى فيكتب إما مع السعداء أو في الأشقياء.
إلا أن الكثير من الناس ربما ادعوا ان الأفعال ليست كلها بمستوى واحد بالنسبة للعقل فبعضها مما لا يختلف عليه اثنان على قبحه كفعل السرقة والفساد في الأرض والعدوان على الغير، وبعضها مما يصعب على الإنسان تمييزه أهو من فعل القبيح ام لا؟ كأكل لحم الخنزير أو الميتة أو الطير الذي يكون صفيفه أكثر من دفيفه وغير ذلك، إذ العقل لو خلي لوحده لما أدرك ذلك.هذا الأمر صحيح إذ العقل لولا الشرع لما أدرك الكثير من الأحكام إذ الأحكام تتعلق بملاكات المصلحة والمفسدة تكون غالبها خفية على الناس والعالم بها الله وحده، ولكن العقل وإن كان لا يدرك ذلك إلا أنه يدرك كيف يختار الشرع الحق فالبعقل يدرك وجوب التوحيد وبالعقل يدرك ضرورة النبوة وبالعقل يدرك وجوب وجود الحافظ على الرسالة بعد النبوة ومن هذه المنابع الثلاثة يأتي الشرع بأحكامه المختلفة حلالها وحرامها وعليه فالعقل يكون محاسبا على ما يدركه مباشرة من ذنوب ظاهره ومحاسبا على ما خفي عنه من الذنوب التي لا يدكها مباشرة بل تكون هي باطن الإثم إلا ان الشرع قد ميزها له وبينها وفصلها تفصيلا فإذا جانب الشرع الذي يكون اتباعه بدلالة العقل فقد أوقع نفسه في بواطن الإثم ولا تقبل حجته في عدم إدراكه للإثم مباشرة.
فإذا أراد الإنسان أن ينقي نفسه من شوائب الذنوب ويعلق نفسه بحبل بالله عز وجل عليه أن يلتزم الشرع فيضع قدمه على السراط المستقيم ويجعل بذلك في قلبه نور الهداية الربانية التي تضيء له طريق الكمالات المتتاليه، ولا يتصور إنسان أن يتعلق بحبل الله في ظلمات الليل في هذا الشهر وغيره من دون أن يجعل له نورا في قلبه فليالي شهر رمضان وبالخصوص ليلة القدر منه مع ما لها من خصوصية سرعة التقرب إلى الله إلا أنها متوقفة على أن يبدأ الإنسان فيها بغسل جسده وقلبه من الذنوب الظاهرة والباطنة، فالاستغفار والتوبة النصوحة بما لها من شروط والتمسك بشرع الله المنزل على نبيه صلى الله عليه وآله هي أول الطريق للسالك إلى الله في هذه الليالي وهذا ما تؤكده الأدعية المأثورة عن أهل بيت العصمة خصوصا أدعية السحر وأدعية ليالي القدر، وأما من يريد أن يتعب نفسه في السهر والقراءة في ليلة القدرإلى الفجر ولم ينو ترك ما تعلق به القلب من بواطن الإثم وظواهره فلا يعدو كونه محركا للسانه وشفتيه متمتما بكلمات تخرج من فيه فتسقط على الأرض، وأما ذاك الإنسان الذي عمد إلى نفسه فهذبها بالتوبة والاستغفار فإن ظلمة ليالي شهر رمضان تكون له نورا لا يرى فيها إلا جمال الله وبهائه، وكل كلمة تخرج من فيها تسبيح وتقديس ترفعه من مقام إلى مقام أرقى وأسمى عند الله عز وجل.فهلم بنا نتوب إلى بارئنا وخالقنا بتوبة نصوحة قبل فوات الأوان فلعله لا ندرك شهر رمضان المقبل ولا ليلة قدره، ومن فاتته التوبة في هذا الشهر الكريم فقد دخل في الأشقياء ومن أدركته التوبة فقد دخل في السعداء.

الأحد، 16 أغسطس 2009

الإرهاب والمقاومة وصفان متباينان

تصيبك الحيرة من التوصيفات المتباينة لبعض الجهات القتالية فبين التوصيف بالجهادية إلى التوصيف بالمقاومة إلى التوصيف بالإرهابية كلها توصيفات تتقاطع في حمل السلاح كمظهر إيديلوجي بارز للعيان تختلف في المفهوم كفكر إيديلوجي يرتبط بالتفكير والعقيدة. وأكثر الجهات تخبطا للتوصيف هي الجهات الاعلامية فتارة تنقل عن حركة ما تتبنى عملية ما قد زهقت فيها أرواح مواطنين أبرياء لخلاف عقائدي فتصفه الجهة الإعلامية بأنه عمل إرهابي ثم بعد ايام قليلة تتبنى نفس الحركة قتل جنود محتلين فتوصف بالمقاومة. فهل يمكن أن تتركب الحركة الواحدة من خليط غير متجانس من المقاومة والإرهاب.
ربما يحلو للبعض أن يصف تلك المفاهيم باعتبار منشأ انتزاعي للوقائع الخارجية فكل عملية تقوم بها الحركة لها وصفها الخاص بها ينتهي مسمها الوصفي بانتهاء العملية لتبدأ بمسمى آخر بقيامها بالعملية القادمة.هذا التوصيف الانتزاعي أشبه بتوصيف آلة ليس لها عقلية عقائدة إلا ما تحتضنه من خردة مركبة منها.
ينبغي لنا قبل توصيف العمليات القتالية أن نصف العقلية الكامنة في تفكير الحركة، فكل حركة تتبنى مجموعة من الأفكار يشكل على أساسها منطلقاتها في اتخاذ القرارات المختلفة وهي على هذا لا ترى أنها ذات تناقضات داخلية في طريقة تفكيرها أو ما تحمله من أفكار، وعلى هذا الأساس فكل عملية تطبق على ارض الواقع نابعة من مبادئها الموحدة في ذاتها وليست من مبادئ تراها هي متناقضا، وبهذا يكون الوصف لها واحدا كما هي تراه وكما يجب علينا أن ننظر إليه.فإما أن تكون الحركة إرهابية حسب المعطيات الفكرية لها وإما أن تكون حركة مقاومة بما تتمثله من أفكار صحيحة في كل معطياتها يكون المستهدف الوحيد هو المحتل وليس الشعب جزء منه.
نعم لا أحد يختلف على أن طرد المحتل عن أرض الوطن واجب شرعي ولكن عندما يكون طرد المحتل بأيدي أثيمة بقتل الأبرياء فإن ذلك لا يصوبها في صحة العمل، فالسارق لو تبرع بكل ما سرقه للأيتام والأرامل بعد قتله للمسروق فأن تبرعه لا يعتبر صدقة يثاب عليها ولا يمكن تصويب عمله. وهكذا عندما تتبنى حركة في نظريتها قتل الأبرياء بلا ذنب اقترفوه لأنهم يخالفونها في المبادئ والتصورات الحركية أو المذهبية فإن ذلك لن يسعفها عندما تقتل محتلا وتكون حركتها أشبه بمحتل آخر يخرج المحتل الأول فهل يمدح على إخراجه؟ قطعا لا.

الاثنين، 10 أغسطس 2009

إدراك النصوص القرآنية بالعقل البشري

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

قال تعالى ﴿ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ (محمد:24)
ظاهر هذه الآية أن القرآن الكريم له قابلية الفهم والإدراك من قبل البشر جميعا، وأن ذلك هو الموافق لجعل القران خطاب من الله سبحانه وتعالى لهداية البشر، وإلا فكيف يكون القرآن كتاب هداية وهو يكتنف الغموض في استيعاب مطالبه وفهمه.
الناظر لسيرة الرسول الأعظم وأهل بيته عليهم السلام والصحابة والتابعين وسيرة المتشرعة أن القرآن كان مرتكزا لاحتجاجاتهم واستشهاداتهم في مختلف القضايا والوقائع.

إذا القرآن الكريم كتاب له قابلية الفهم البشري حسب مدركاته العقلية. إلا أن هذا الفهم للنص القرآني هل يمكن القول بانه مطابق دائما لما يريده الله أم لا.
وهل هناك أساسيات لفهم النص القرآني أم أنه يكفي للفهم الإطلاع على علوم اللغة العربية.
وهل أن النص القرآني له فهم متغير حسب تطور العلوم الإنسانية؟ أم النص القرآني غير قابل لتعدد المعاني والمفاهيم حسب متغيرات التاريخ وتطوراته؟
وإذا كان هناك فهما متغيرا للنص القرآني، هل يعني ذلك نفي أن للقرآن حقائق ثابتة في نفسها؟
هذه الأسئلة تنبع من ظهور رأي في هذا الزمن يقول بأن إدخال مناهج العلوم الإنسانية على التراث الإسلامي ضرورة حتمية لكي نفهم الإسلام بشكل جديد يكون قادرا على التصالح مع الحداثة الكونية.
وباعتبار أن النص القرآني هو العمود الأساسي لفهم الدين يرى البعض أنه لا يمكن فهم خطابه إلا بالرجوع على الأصول الأنثروبولوجية، ذلك أن القرآن لا يمكن تحميله لأشياء جاءت بعده من العمل الفقهي والعمل اللاهوتي أي علم الكلام.

لكي نستطيع أن نوضح الخلل في أمثال هذه الأقوال نستعرض عدة مقدمات تكون معينة للجواب عليها:

المقدمة الأول: الفرق بين الواقع وإدراك الواقع:
عندما يسير إنسان من بعيد ثم يختفي وأنا أنظر إليه ولا أراه إلا شبحا من بعيد يمشي على رجلين ولكن لا أميزه هل هو إنسان أم قرد فأقوم بالبرهنة عليه تارة ببعض الخصائص فأثبت أن قرد ويأتي آخر يثبته أنه إنسان.

فإن هنا أمرين:
الأول: هو واقع هذا الشبح بغض النظر عن إدراكي أو إدراك غيري له فهو إنسان في حقيقة الأمر والواقع.
الثاني: إدراكي لهذا الواقع إذ تارة يصيب الإدراك الواقع وتارة يخطئ.

المقدمة الثانية: أن الخطاب يلقيه المتكلم لكي ينقل الصور والمعاني المتكونة في عالم إدراكه للمستمع باعتبار أن الخطاب هو الطريق الأخصر لنقل المعلومات من ذهن المتكلم إلى ذهن السامع.

وهذا أيضا يترتب عليه أمران.
الأول: أن المتكلم ينقل إدراكه للواقع لا أنه ينق نفس الواقع فربما نقل ما يكون مطابقا له وربما لا.
الثاني: أن تلقي المستمع يكون إدراكا لما يريده المتكلم فربما وعى المستمع لما يريده المتكلم من الخطاب وربما لا.

إذا المستمع يدرك الواقع بواسطتين الأولى إدراك المتكلم وثانيهما إدراكه هو لما يريده المتكلم.

فهنا إشكاليتان:
الإشكاليةالأولى: هي إدراك العنصر البشري للواقع، ولحل هذه الإشكالية حتى يكون إدراك الواقع مطابقا للواقع أو يكون أقرب منه فلابد من الالتزام بقواعد وضوابط معرفية تحكم هذا الإدراك، فهناك أسس عامة للإدراك يتبانى عليه العقلاء بما هم عقلاء وهناك أسس خاصة يتبانى عليها أصحاب فن أو علم معين فقواعد وضوابط علم الهندسة الكيميائية تختلف عن ضوابط وقواعد علم تقنية المعلومات.

وعدم جعل هذه الضوابط معناه جعل العلوم مفتتة ليس لها مرتكز وغرض موحد تسعى من أجله بل انه لا يبقى مجالا للجدال والحوار.
ومع هذا نقول بأن احتمالية الخطأ في العنصر البشري وارد في إدراك الواقع باعتبار محدوديته، ولهذا ربما تكون هناك نظرية من النظريات في زمن ما مسلمة بينهم إلا أنها تزول وتكون من التراث الإنساني المنسي عندما يتوسع إدراك الإنسان فيسلم بنظرية أخرى في زمن لاحق.

الإشكالية الثانية: هي الخطاب الموصل والناقل للمدرك فهو يحتاج إلى معالجة كذلك.
من هذه المعالجات هي البحث عن مداليل الألفاظ فأهل اللغة الواحدة يتبانون على أن لفظ كذا يدل على معنى كذا فلفظ أسد يدل على الحيوان المفترس، وعندما يريدون أن يدل على معنى آخر غير الموضوع له كدلالة لفظ الأسد على الرجل الشجاع لابد أن ينصب المتكلم قرينة تدل على المعنى الآخر المجازي هذا ما يتبناه أهل اللغة الواحدة ودون ذلك سيكون من الصعب أو المستحيل أن نتناقل المفاهيم والإدراكات الذهنية عبر الخطاب والألفاظ.

هاتان الإشكاليتان هل هما واردتان على النصوص الدينية أم لا.
النص الديني له طريقان الأول القرآن الكريم والثاني هو الرسول الأكرم وأهل بيته عليهم السلام.

الأول: النصوص القرآنية: بالنسبة للإشكالية الأولى وهي إدراك الواقع فهي غير واردة عليه بتاتا ذلك لأن الواقع بما هو واقع مخلوق لله سبحانه وتعالى وهو العالم بالواقع فعندما يلقي سبحانه وتعالى خطابا فإنا لا نشك ولا لوهلة أن هذا الخطاب يطابق الواقع بل نكون على يقين تام على الإصابة.

نعم بعض النظريات تلغي الواقع عن واقعيته كنظرية التصويب الأشعري إذ تقول بإمكانية تبدل الواقع عن ما هو عليه فمثلا عندما يريد فقيه أن يستنبط حكما من الأحكام الشرعية فإنه يبذل جهده للوصول إلى الحكم وعندما يصل إلى الحكم يكون هذا الحكم هو الواقع، وعندما يأتي فقيها آخر يفتي بخلاف ذلك الحكم يتبدل ذلك الواقع بما يتناسب مع الحكم الثاني وهكذا...
هذه النظرية تتناسب مع الاتجاه الأركوني لفهم النص الديني والقرآني على وجه الخصوص.

وعلى كل حال فإن مثل هذه النظرية تتبن إلغاء الواقع أصلا فلا واقع للأشياء إلا بعد إدراكها بل أن الموجد للواقع هو الإدراك وهو واضح البطلان إذ أنا بالبداهة ندرك أن وراء إدراكاتنا واقع غير الإدراك بل أن إدراكنا للواقع لا يبدل الواقع عما هو عليه فضلا عن كونه إنه يوجد الواقع والمعاذ لله من ذلك لكنا شركاء الله سبحانه في الإيجاد.

إذا هناك واقعا وراء النص القرآني وهو ما تعبر عنه الآية في قوله تعالى ﴿ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾ (الزخرف:4)

فالقرآن له مرتبتان: الأولى مرتبة الواقع وهي أم الكتاب وهي المرتبة العليا للقرآن
المرتبة الثانية: هي مرتبة النص القرآني وهي مجموعة من التراكيب اللفظية الدالة على تلك المرتبة.
في هذه المرتبة تتعدد الإدراكات للواقع فمنهم من يصيب الواقع ومنهم من لا يصيب.

وحتى من يصيب الواقع فليس كل أحد يكنه أن يصيب تمام الواقع بل يمكن أن يصيب جزء ونسبة من الواقع، ولا يعني ذلك أن نقول بنسبية الواقع، ولكن نقول بأن الواقع كبير جدا لا يسعه محدودية إدراكنا فنأخذ من الواقع بحسب إدراكاتنا كالبحر عندما نريد أن نأخذ منه الماء فبحسب الوعاء نأخذ منه ولا يعني ذلك أننا لم نصب من البحر.
ومن هنا تأتي أهمية العلوم الأخرى في فهم القرآن فهي توسع إدراك الإنسان للاستيعاب لبعض معاني القرآن لا أنها توجد له إدراكا مغايرا عن الإدراك في الزمن السابق بحيث كل إدراكا يأتي يكون مكذبا للإدراك السابق. نعم لا يمكن إنكار ذلك على مستوى الجزئية أن هناك إدراكات من الأساس كانت خاطئة والعلوم الحديث اكتشفت خطأ هذا الإدراك.
ولكن هذه الإدراكات هي ليست إدراكات معصومة بل هي إدراكات بشرية تتأثر بما حولها من النظريات المختلفة في تفسير القرآن.

ولهذا فحتى تكون هناك ضمانة من عدم وقوع القرآن في مصيدة الإدراك الخاطئ كان من اللازم أن يكون هناك معلما للقرآن بحيث يسدد الإدراك البشري القابل للخطأ. ولابد أن يكون المعلم معصوما من الوقوع في الخطأ في الواقع بل أن إدراكه يكون دائما مطابقا للواقع وهذا المعلم لن يكون إلا أهل البيت عليهم السلام. (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) (البقرة:151)
(لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (آل عمران:164)
(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (الجمعة:2)
فالرسول الأكرم صلى الله عليه وآله كما أنه واسطة الغيب في إيصال كتاب الله لجميع البشرية كذلك عليه تعليم الناس بواقع الخطاب القرآني وإعطائم الضوابط الصحيحة لفهم واقع النصوص القرآنية، ولكن لما لم يكن الناس والصحابة في ذلك الوقت مؤهلين في ذلك الوقت الضيق لتقلي تمام العلوم القرآنية ووصولهم إلى مقام فهم تمام ما يرمي إليه القرآن الكريم فكان لا بد من وجود المعلم المستمر الذي يكون مطلعا على جميع حقائق القرآن كما هي في أم الكتاب لكي لا تزيغ الأمة بعده وتضيع علوم القرآن عن ساحة التطبيق البشري الصحيح، وهذا هو أحد أدوار أهل بيت الرسول عليهم السلام باعتبار عصمتهم غير القابلة للفهم الخاطئ لنصوص القرآن، وبذلك يكون القرآن محفوظا ومصونا من التحريف في الفاظه وفهمه.

نعم يأتي الإشكال بأننا كمتلقين من أهل البيت لسنا معصومين من الخطأ فبذلك يقع نفس الإشكال السابق.
والجواب بأن الفترة التي عاشتها العصمة مع القرآن ظاهرة للناس وهي ما تفوق القرنين والنصف تعطي البشرية المساحة الواسعة لفهم النص الديني مع ما ينتاسب لحجم الفهم البشري المحدود وهذا بخلاف ما لو قلنا بأن فترة التعليم كانت في ثلاثة وعشرين سنة ثلاثة عشر سنة كانت في مكة سنين الترقب والعذاب والمحاصرة وبعدها في المدينة المنورة عشر سنين من الحروب وبناء الدولة إضف إلى ذلك عدم قابلية العقول بطبيعتها البشرية للإدراك التام وهم يعيشون المحن تلو المحن والحرب تلو الحرب ولو أضفنا إليها الوصف الواقعي للحال العلمي آنذاك باعتبار أن مكة كانت قعر الجهل العلمي لا تمتلك من الحضارة العلمية أبسط مقومات الفهم العلمي، فكيف لهذه العقول أن تكون بين عشية وضحاها هي أفهم العقول إدراكا على الإطلاق. هذا ما يستدعي إلى الاستغراب والتعجب!
وبهذا يتضح وجوب وجود النفس المعصوم مع القرآن دائما كما قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: علي مع القرآن والقرآن مع علي. إذ لا بد لمعلم حقائق القرآن أن يكون مطلعا على ماهية القرآن في أم الكتاب ولا يمكن لغيرهم إدعاء ذلك إذ العصمة فيصل بينهم عليهم السلام وبين باقي الأمة أنارها الله بنور الإيمان ووحد كلمتها ولملم شملها على الحق واتباع الهدى إنه سميع الدعاء.

والحمد لله رب العالمين.