بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
قال تعالى ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾(التوبة:105)
المقدمة:
لكل عمل حتى يكتب له النجاح لا بد من أن له من أسس يبتني عليها تكون هي مقومات نجاحه وأي خلل في هذه المقومات تستدعي هبوط مستوى العمل وإذا لم يتدارك هذا الخلل في الوقت المناسب لربما كان بداية انهياره إن لم ينهار بالفعل.
ومما يؤسف له أن المعنيين على مثل هذه الأعمال يتجاهلون الخلل وهو أمام أعينهم إما من باب التكاسل والفترة أو الخوف من النقد أو لأمر آخر. هذا مع ملاحظة أن العمل الإسلامي سواء كان صغيرا أو كبيرا فهو خادم للشريحة الأكبر في المجتمع إن لم يكن المجتمع كله، ولهذا تكون أعين المجتمع متوجهة إليه بالرغبة تارة وبالنقد تارة أخرى، وهي تشكل ضغطا كبيرا على العاملين في هذا المجال، فالعامل يعيش حالة التفكير في كيفية إرضاء المجتمع وتقبله لهذا العمل وبين الخشية من الفشل أو النقد.
ولكن عندما يتجاوز أعين الخلق فإن العامل في الحقل الإسلامي لا يستطيع أن يتجاوز عين الخالق عز وجل وعين رسوله (ص) وأعين المؤمنين وهم أهل البيت عليهم السلام. فهم لا ينظرون لظاهر العمل وهيئته وكيفية سيره في المجتمع فحسب وإنما ينظرون لباطن العمل ومحتواه. وهذه أعظم عقبة يجتازها العامل في سبيل الله، فما أكثر الأعمال الجبارة والضخمة تنظر لها أعين الناس بالرضا والأيادي بالتصفيق والألسن بالتمجيد والتبجيل وهي لا تساوي شيئا عند الله ورسوله والمؤمنين.
وهناك من الأعمال الصغيرة التي ينظر لها المجتمع بعين التحقير والتصغير وهي عند الله من أعظم الأعمال وأفضلها. وهذا مقياس يصعب فيه التحكيم من قبل الناس وإنما التحكيم لله ولرسوله وللمؤمنين يوم يقوم الحساب.
وعصب العمل الإسلامي هو العامل سواء كان فردا أم فريقا مؤسساتيا وهو محور كلامنا لأنه الركيزة الأهم في نجاح أي عمل، ولكن لا يعني أن نوع العمل ومكانه وزمانه والمحيط الذي يقوم فيه ركائز أخرى وهي مهمة ولكنها في الواقع ركائز تقع في طول الركيزة الأولى الأهم.
مقومات نجاح العامل
1. المعرفة:
عندما نتكلم عن العمل الإسلامي فلا يمكن قياسه بالأعمال الأخرى، وذلك لأنك تتكلم عن تشكيل رسول للإسلام في المجتمع ينقل الرسالة المحمدية لأفراده وهذا معناه أنك تريد مقاييس خاصة للشخصية الرسالية التي تتحمل أعباء الرسالة تكون ملمة بالمعرفة الإسلامية المتناسبة للعمل الإسلامي صغيرا كان أو كبيرا وفي الوقت نفسه ملما بالمعرفة المجتمعية المحيطة به.
فإذا كان العمل الإسلامي غير خارج عن دائرة الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر إذ المعروف دائرة واسعة تدخل فيها كل ما يقرب لله عز وجل والمنكر دائرة واسعة يدخل فيها كل ما يبعد من الله عز وجل فعلينا إذا أن لا نغفل عن قوله تعالى ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ (آل عمران: من الآية110) لأن الخير هو النتيجة المطلوبة عند الله عز وجل وهو مقياس نجاح العمل.
أما الناس فهم المجتمع المطلوب معرفته أيضا لأن لكل مجتمع خصائص تختلف عن المجتمعات الأخرى ولا يمكن توحيد أساليب الدعوة لكل المجتمعات فالمجتمع البدوي والمجتمع الجاهلي يختلف مع المجتمع المدني والحضري فلكل أسلوبه في تقبل الدعوة
أما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهي لا تتم إلا بالمعرفة بالدين بأصوله وأحكامه وأخلاقة فالذي تنقصه المعرفة العقائدية فلا يمكنه دعوة الناس إلى العقائد الحقة والذي تنقصه المعرفة المتعلقة بأحكام الله عز وجل لربما وقع في المحظور من دون أن يعلم فيكون رسول ضلال بدل رسول هداية.
أما الأخلاق فيكفيك قوله تعالى﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ (آل عمران: من الآية159)
إذا هناك معرفتان:الأولى: المعرفة بالدين والثانية: المعرفة بالمجتمع
وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله العمل بالعلم من تمام النعمة
2. الإخلاص:
في هذا المقوم فلتكن الرواية التي وردت في الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام) هي المنطلق للتقييم فقد ورد عنه عليه السلام في قول الله عز وجل ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾(هود: من الآية7) قال : ليس يعني أكثر عملا ولكن أصوبكم عملا وإنما الإصابة خشية الله والنية الصادقة والحسنة ثم قال : الإبقاء على العمل حتى يخلص أشد من العمل ، والعمل الخالص : الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلا الله عز وجل والنية أفضل من العمل، ألا وإن النية هي العمل ، ثم تلا قوله عز وجل ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ﴾ (الإسراء:84) يعني على نيته.
ففي الرواية يقوم الإخلاص التام على أمرين:
الأول: هو الإصابة بمعنى الخشية لله والنية الصادقة والحسنة
الثانية: وهو عدم انتظار حمد الآخرين لك على أي عمل.
هذان الأمران سوف يخرج الأنا الشخصي والمؤسساتي عند القيام بأي عمل فالعمل الإسلامي يستعمل الوسائل الشرعية المختلفة للوصول إلى غايته المنشودة. فعندما تقول (الأنا) بأن العمل لا يخرج إلا عن طريقها فهذا معناه أنها تتحول إلى غاية العمل الإسلامي وليست إلى وسيلة. وبعبارة أخرى تكون الأنا محور العمل الإسلامي، فتنتظر المدح والإطراء كنوع بقاء لها وبالتالي يبقى العمل الإسلامي كما تعتقد (الأنا).
وهذا معنا احتكار العمل الإسلامي في فرد دون فرد وفي فئة دون فئة وفي مؤسسة دون أخرى مما يلغي جوّ المنافسة الخالصة لله وبذلك يبطل قوله تعالى ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾(المطففين: من الآية26)
3. الإتقان:
إذا كنا نقول أن على العامل أن يتحلى بالصبر والثبات والمثابرة على العمل فإننا لن نتردد في القول بأن لا تضيع وقتك وسني عمرك في عمل غير متقن فالله عز وجل خلق الخلق بإتقان إذا قال سبحانه ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ (النمل: من الآية88)
فعلى العبد أن ينظر فيما يعمل بحيث يؤدي ما يعمله بإتقان تام وهذا يستدعي أن ينظر العامل إلى سعة قدرته فلا يحملها ما لا تقدر عليه فعمل صغير متقن خير من عمل كبير لا إتقان فيه بغض النظر عن كون العامل فردا أم مؤسسة خصوصا ونحن نتكلم عن العمل الإسلامي إذ هو بحر واسع لا يستطيع عليه كل أحد فمن أراد أن يغرف منه ليعطي غيره فلن يغرف منه إلا بقدر إناءه.
4. التوفيق:
يعتقد البعض أن كل عمل لا بد وأن يصيب الهدف كما هو يريد العامل. وهذا خطأ إذ العمل الإسلامي تحمله جناحا التوفيق، وهذا ما يوجب التسليم لأمر الله فحسب دون النظر إلى المخلوقين فالعامل الإسلامي لا يستطيع أن يكره الناس على ما يريده ولكنه لا يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أينما كان فهو يسعى كل السعي وينتظر التوفيق من الله. ولنا في رسول الله أسوة حسنة إذ يخاطبه الجليل الأعلى ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ (القصص:56)
وعليه فإن المجتمع يتحمل في مثل هذه الحالة عدم تقبل العمل إذا كان العمل من العامل على أحسن وجه ولا يعتبر هنا أن العمل قد فشل أو أن العامل قد بدر منه القصور بل أن العامل هو في أعلى مراتب النجاح لأن عمله كان بمنظار أخروي محظ وأنما المجتمع قد فشل في اغتنام العمل.
5. المحاسبة والمراجعة:
مما ورد عن رسول الله (ص) قوله: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا وتجهزوا للعرض الأكبر.
من مقومات النجاح وضع الأمور على الميزان فبالميزان يمتاز العمل الناجح من العمل الفاشل ومن لا يمتلك الميزان فهو لا يدري عمله أفي شرق هو أم في غرب في الأعلى أم الأسفل وللأسف الشديد فإن الكثير من الأعمال ذات التوجه الإسلامي ينقصها هذا الميزان.
يحتاج العامل الإسلامي على تقويم عمله بين فترة وأخرى كي يصحح مساره في العمل ومن لا يمتلك النقد الذاتي يصعب عليه تحمل النقد الخارجي. ومما أعجبني في هذا المقام كلام لسيد المقاومة عندما قال - بما معناه - بعد الحرب الأخيرة حرب ال33 يوما وبعد الانتصار المظفر أننا راجعنا كل الأخطاء وراجعنا كل المواقع واستبقنا العدو في ذلك لنحصن أنفسنا أكثر في المرة القادمة مع أنا الناظر المراقب لا يعثر على هذه الأخطاء، ولكن للمحاسبة والمراجعة الذاتية نفوسها الخاصة الكبيرة والتي تستطيع أن تتخطى كل العقبات لكي تصل إلى هدفها المنشود قبل أن تكون فريسة لهذا أو ذاك.
و الحمد لله رب العالمين
مالك محمد علي درويش
غرة شهر رمضان المبارك 1429هـ
الموافق 2 سبتمبر 2008
قال تعالى ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾(التوبة:105)
المقدمة:
لكل عمل حتى يكتب له النجاح لا بد من أن له من أسس يبتني عليها تكون هي مقومات نجاحه وأي خلل في هذه المقومات تستدعي هبوط مستوى العمل وإذا لم يتدارك هذا الخلل في الوقت المناسب لربما كان بداية انهياره إن لم ينهار بالفعل.
ومما يؤسف له أن المعنيين على مثل هذه الأعمال يتجاهلون الخلل وهو أمام أعينهم إما من باب التكاسل والفترة أو الخوف من النقد أو لأمر آخر. هذا مع ملاحظة أن العمل الإسلامي سواء كان صغيرا أو كبيرا فهو خادم للشريحة الأكبر في المجتمع إن لم يكن المجتمع كله، ولهذا تكون أعين المجتمع متوجهة إليه بالرغبة تارة وبالنقد تارة أخرى، وهي تشكل ضغطا كبيرا على العاملين في هذا المجال، فالعامل يعيش حالة التفكير في كيفية إرضاء المجتمع وتقبله لهذا العمل وبين الخشية من الفشل أو النقد.
ولكن عندما يتجاوز أعين الخلق فإن العامل في الحقل الإسلامي لا يستطيع أن يتجاوز عين الخالق عز وجل وعين رسوله (ص) وأعين المؤمنين وهم أهل البيت عليهم السلام. فهم لا ينظرون لظاهر العمل وهيئته وكيفية سيره في المجتمع فحسب وإنما ينظرون لباطن العمل ومحتواه. وهذه أعظم عقبة يجتازها العامل في سبيل الله، فما أكثر الأعمال الجبارة والضخمة تنظر لها أعين الناس بالرضا والأيادي بالتصفيق والألسن بالتمجيد والتبجيل وهي لا تساوي شيئا عند الله ورسوله والمؤمنين.
وهناك من الأعمال الصغيرة التي ينظر لها المجتمع بعين التحقير والتصغير وهي عند الله من أعظم الأعمال وأفضلها. وهذا مقياس يصعب فيه التحكيم من قبل الناس وإنما التحكيم لله ولرسوله وللمؤمنين يوم يقوم الحساب.
وعصب العمل الإسلامي هو العامل سواء كان فردا أم فريقا مؤسساتيا وهو محور كلامنا لأنه الركيزة الأهم في نجاح أي عمل، ولكن لا يعني أن نوع العمل ومكانه وزمانه والمحيط الذي يقوم فيه ركائز أخرى وهي مهمة ولكنها في الواقع ركائز تقع في طول الركيزة الأولى الأهم.
مقومات نجاح العامل
1. المعرفة:
عندما نتكلم عن العمل الإسلامي فلا يمكن قياسه بالأعمال الأخرى، وذلك لأنك تتكلم عن تشكيل رسول للإسلام في المجتمع ينقل الرسالة المحمدية لأفراده وهذا معناه أنك تريد مقاييس خاصة للشخصية الرسالية التي تتحمل أعباء الرسالة تكون ملمة بالمعرفة الإسلامية المتناسبة للعمل الإسلامي صغيرا كان أو كبيرا وفي الوقت نفسه ملما بالمعرفة المجتمعية المحيطة به.
فإذا كان العمل الإسلامي غير خارج عن دائرة الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر إذ المعروف دائرة واسعة تدخل فيها كل ما يقرب لله عز وجل والمنكر دائرة واسعة يدخل فيها كل ما يبعد من الله عز وجل فعلينا إذا أن لا نغفل عن قوله تعالى ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ (آل عمران: من الآية110) لأن الخير هو النتيجة المطلوبة عند الله عز وجل وهو مقياس نجاح العمل.
أما الناس فهم المجتمع المطلوب معرفته أيضا لأن لكل مجتمع خصائص تختلف عن المجتمعات الأخرى ولا يمكن توحيد أساليب الدعوة لكل المجتمعات فالمجتمع البدوي والمجتمع الجاهلي يختلف مع المجتمع المدني والحضري فلكل أسلوبه في تقبل الدعوة
أما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهي لا تتم إلا بالمعرفة بالدين بأصوله وأحكامه وأخلاقة فالذي تنقصه المعرفة العقائدية فلا يمكنه دعوة الناس إلى العقائد الحقة والذي تنقصه المعرفة المتعلقة بأحكام الله عز وجل لربما وقع في المحظور من دون أن يعلم فيكون رسول ضلال بدل رسول هداية.
أما الأخلاق فيكفيك قوله تعالى﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ (آل عمران: من الآية159)
إذا هناك معرفتان:الأولى: المعرفة بالدين والثانية: المعرفة بالمجتمع
وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله العمل بالعلم من تمام النعمة
2. الإخلاص:
في هذا المقوم فلتكن الرواية التي وردت في الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام) هي المنطلق للتقييم فقد ورد عنه عليه السلام في قول الله عز وجل ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾(هود: من الآية7) قال : ليس يعني أكثر عملا ولكن أصوبكم عملا وإنما الإصابة خشية الله والنية الصادقة والحسنة ثم قال : الإبقاء على العمل حتى يخلص أشد من العمل ، والعمل الخالص : الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلا الله عز وجل والنية أفضل من العمل، ألا وإن النية هي العمل ، ثم تلا قوله عز وجل ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ﴾ (الإسراء:84) يعني على نيته.
ففي الرواية يقوم الإخلاص التام على أمرين:
الأول: هو الإصابة بمعنى الخشية لله والنية الصادقة والحسنة
الثانية: وهو عدم انتظار حمد الآخرين لك على أي عمل.
هذان الأمران سوف يخرج الأنا الشخصي والمؤسساتي عند القيام بأي عمل فالعمل الإسلامي يستعمل الوسائل الشرعية المختلفة للوصول إلى غايته المنشودة. فعندما تقول (الأنا) بأن العمل لا يخرج إلا عن طريقها فهذا معناه أنها تتحول إلى غاية العمل الإسلامي وليست إلى وسيلة. وبعبارة أخرى تكون الأنا محور العمل الإسلامي، فتنتظر المدح والإطراء كنوع بقاء لها وبالتالي يبقى العمل الإسلامي كما تعتقد (الأنا).
وهذا معنا احتكار العمل الإسلامي في فرد دون فرد وفي فئة دون فئة وفي مؤسسة دون أخرى مما يلغي جوّ المنافسة الخالصة لله وبذلك يبطل قوله تعالى ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾(المطففين: من الآية26)
3. الإتقان:
إذا كنا نقول أن على العامل أن يتحلى بالصبر والثبات والمثابرة على العمل فإننا لن نتردد في القول بأن لا تضيع وقتك وسني عمرك في عمل غير متقن فالله عز وجل خلق الخلق بإتقان إذا قال سبحانه ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ (النمل: من الآية88)
فعلى العبد أن ينظر فيما يعمل بحيث يؤدي ما يعمله بإتقان تام وهذا يستدعي أن ينظر العامل إلى سعة قدرته فلا يحملها ما لا تقدر عليه فعمل صغير متقن خير من عمل كبير لا إتقان فيه بغض النظر عن كون العامل فردا أم مؤسسة خصوصا ونحن نتكلم عن العمل الإسلامي إذ هو بحر واسع لا يستطيع عليه كل أحد فمن أراد أن يغرف منه ليعطي غيره فلن يغرف منه إلا بقدر إناءه.
4. التوفيق:
يعتقد البعض أن كل عمل لا بد وأن يصيب الهدف كما هو يريد العامل. وهذا خطأ إذ العمل الإسلامي تحمله جناحا التوفيق، وهذا ما يوجب التسليم لأمر الله فحسب دون النظر إلى المخلوقين فالعامل الإسلامي لا يستطيع أن يكره الناس على ما يريده ولكنه لا يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أينما كان فهو يسعى كل السعي وينتظر التوفيق من الله. ولنا في رسول الله أسوة حسنة إذ يخاطبه الجليل الأعلى ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ (القصص:56)
وعليه فإن المجتمع يتحمل في مثل هذه الحالة عدم تقبل العمل إذا كان العمل من العامل على أحسن وجه ولا يعتبر هنا أن العمل قد فشل أو أن العامل قد بدر منه القصور بل أن العامل هو في أعلى مراتب النجاح لأن عمله كان بمنظار أخروي محظ وأنما المجتمع قد فشل في اغتنام العمل.
5. المحاسبة والمراجعة:
مما ورد عن رسول الله (ص) قوله: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا وتجهزوا للعرض الأكبر.
من مقومات النجاح وضع الأمور على الميزان فبالميزان يمتاز العمل الناجح من العمل الفاشل ومن لا يمتلك الميزان فهو لا يدري عمله أفي شرق هو أم في غرب في الأعلى أم الأسفل وللأسف الشديد فإن الكثير من الأعمال ذات التوجه الإسلامي ينقصها هذا الميزان.
يحتاج العامل الإسلامي على تقويم عمله بين فترة وأخرى كي يصحح مساره في العمل ومن لا يمتلك النقد الذاتي يصعب عليه تحمل النقد الخارجي. ومما أعجبني في هذا المقام كلام لسيد المقاومة عندما قال - بما معناه - بعد الحرب الأخيرة حرب ال33 يوما وبعد الانتصار المظفر أننا راجعنا كل الأخطاء وراجعنا كل المواقع واستبقنا العدو في ذلك لنحصن أنفسنا أكثر في المرة القادمة مع أنا الناظر المراقب لا يعثر على هذه الأخطاء، ولكن للمحاسبة والمراجعة الذاتية نفوسها الخاصة الكبيرة والتي تستطيع أن تتخطى كل العقبات لكي تصل إلى هدفها المنشود قبل أن تكون فريسة لهذا أو ذاك.
و الحمد لله رب العالمين
مالك محمد علي درويش
غرة شهر رمضان المبارك 1429هـ
الموافق 2 سبتمبر 2008
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق