السبت، 25 يوليو 2009

حب الحسين بين النظرية والتطبيق

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين

هام الشعراء والأدباء في حب الإمام الحسين عليه السلام ولكن كلها ما دون وصف النبي صلى الله عليه وآله في ذلك الحب فقد ورد عنه كما في المستدرك للحاكم النيسابوري ومسند أحمد بن حنبل قوله صلى الله عليه وآله " حسينٌ منّي وأنا من حسين اللّهم أحبَّ من أحبَّ حُسيناً ، حُسينٌ سبطٌ من الأسباط " وورد في صحيح الترمذي قوله صلى الله عليه وآله " هذان ابناي وابنا ابنتي ، اللّهمّ إنّي أُحبُّهما فأحبَّهما وأحبَّ مَن يُحبّهما "

في حب الإمام الحسين هناك نقطتان نبحث فيهما: الحب من الجهة النظرية والحب الجهة التطبيقية

النقطة الأولى: الحب القلبي النظري:

أي حب هذا الذي يريده رسول الله صلى الله عليه وآله منا للإمام الحسين عليه السلام، فالحب ما هو إلا عبارة عن علاقة عاطفية قلبية بين طرفيين، فكيف يمكن لنا أن نتصور منشأ العلاقة القلبية المراد تكوينها بيننا وبين الإمام الحسين عليه السلام؟ للجواب على هذا السؤال نطرح عدة فرضيات:

الفرضية الأولى: أن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله كان يريد هذه العاطفة بإيجادها في قلوبنا على نحو التشريع، أي أن الشارع المقدس يفرض علينا حب الإمام الحسين عليه السلام كواجب من الواجبات مثل وجوب الصلاة والصيام والجهاد وغير ذلك.
هذه الفرضية قابلة للنقاش إذ لا يمكن القول بأن الحب الذي كان يطلبه النبي صلى الله عليه وآله بيننا وبين الإمام الحسين هو على نحو إيجاد العلاقة العاطفية بطريقة تشريعية، إذ أن الوجوبات التشريعية يأتي بها المكلف على نحو امتثال الأوامر الإلهية سواء كان العمل محبوبا للمكلف وقريبا من قلبه أم لا ففريضة الجهاد والقتال لا يشترط في صحتها وامتثالها الحب له ولذا قال الله عز وجل في كتابه العزيز {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }البقرة216
نعم إذا كنا نتكلم عن مقدار قبول العمل عند الله فذلك شأن آخر ولكنه ليس له دخالة في صحة العمل، فإذا كنا نتصور أن للعمل أمران أولهما الصحة والثاني هو القبول فإن الثاني متوقف على الأول فلا يمكن تصور أن العمل يمكن أن يقبل من دون أن يكون صحيحا، ولهذا فإذا كنا نقول أن الوجبات الشرعية بالإمكان أن يأتى بها صحيحة حتى وإن كان عن إكراه فإن ما نحن فيه لا يمكن تصوره على نحو الوجوب التشريعي وذلك لأن الحب أمر اختياري ينشأ من صميم القلب ولا يمكن للشارع جبر الإنسان عليه بالتكليف الشرعي بأن على المكلف أن يولد حبا في نفسه لأحد فإن الجبر لا يولد الحب.

الفرضية الثانية: كون الحب المراد به في الروايات هو الحب الغرائزي الفطري كحب الوالدين لأولادهما والطفل لأمه وهكذا. وهذه فرضية بعيدة جدا وذلك لأن مثل هذا الحب ينشأ من علاقة خاصة جدا يكون الرابط التكويني أو الغرائزي هو الدافع لها وحب الحسين عليه السلام لا يكون دافعه مثل ذلك ثم أن المطلوب من حب الحسين عليه السلام هي مرتبة أعلى وأكبر من ذلك فلو أن للفرد عدة أبناء وفضل بينهم في الحب فأحب الأول لدخالة صفات خاصة فيه على الثاني فإن ذلك لا يخرج الثاني من الحب الفطري الغرائزي، وهل من المعقول أن نتصور أن يكون حب الحسين عليه السلام كحب أبنائنا بحيث لو أننا فضلنا أحد أبنائنا عليه في الحب لكان مقبولا،بلا إشكال أن مثل هذا الحب ليس هو المطلوب.

الفرضية الثالثة: أن المراد من إيجاد علاقة الحب بيننا وبين الحسين عليه السلام هي تلك العلاقة الناشئة من العلاقات العامة فكلما كان المرء حسن السيرة جميل الخَلق والخُلق مكثرا للأعمال الصالحة فإن النفوس المؤمنة والقلوب النقية تنقاد إليه طوعا. ولكننا نقول أن هذه الفرضية أيضا غير صحيحة وذلك لأن تصريحات النبي صلى الله عليه وآله جاءت والحسين عليه السلام لا يزال صغيرا لم تتشكل هذه العلاقات المكونة عند الأمة لمثل هذا الحب الناشئة منها.

الفرضية الرابعة: أن نتصور أن المراد من الأمر بالحب باعتبار أن الحسين عليه السلام ابنا لرسول الله صلى الله عليه وآله والمرء يحفظ في ولده وهو صلى الله عليه وآله قال " هما ريحانتاي ". وهذه الفرضية أيضا ليست تامة وذلك لأن هناك من الأنبياء قد ولد لهم أولاد سوء كالنبي نوح ولسنا مأمورين بحب أولادهم فعلاقة الأبوة والبنوة لا تفرض حبا على الآخرين مهما كان هؤلاء الآباء أو الأبناء ولذا قال الله تعالى لنوح عليه السلام {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ}هود46 ولا نتصور أن هناك ميزة زائدة لرسول الله صلى الله عليه وآله من هذه الناحية على الأنبياء السابقين.

الفرضية الخامسة: أن يكون منشأ الحب المراد هو وجود خصوصية في الإمام الحسين عليه السلام على سائر الناس والخلق وهي خصوصية الإمامة، وهذه هي الفرضية الصحيحة باعتبار أن الحب المطلوب حبا على نحو الاعتقاد بإمامته وبهذا لا يمكن تصور الانفكاك بين من يعتقد بإمامته وبين حبه وهذا أمر في غاية البداهة وذلك لأن الارتباط بين الاعتقاد والحب للمعتقد غير منفكين فكل من يعتقد بشيء يحبه ولذا فإن النبي صلى الله عليه وآله بأمره للأمة بحب الحسين عليه السلام هو يأمرهم بالاعتقاد بإمامته وهذا الحب يكون منسجما مع حب الله سبحانه وتعالى وفي طوله فكأنما الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله يقول يا رب أحب من يحب الحسين معتقدا بإمامته نظرا وعملا وهو حب يكون ذو مرتبة علية جدا بحيث كل شيء دونه رخيص، وهذا الحب الذي يكون منشأه الإمامة والعصمة في الذات ليس خاص بالحسين بل لكل مطهر مصطفى من الناس فكل الأنبياء والرسل والأوصياء والأئمة من هذه الجهة يجب حبه على نحو الاعتقاد كما في قوله تعالى {قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }البقرة136 وقوله تعالى {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ }البقرة285 .

بيان نظرية الحب من جهة أخرى:

أن الحب المشار إليه في الروايات حب دائمي في كل الحالات وليس في حالة دون حالة، وهذا الحب الدائمي إما أن يكون لذات الحسين عليه السلام بقطع النظر عن مظاهر الذات وأفعالها الصادرة عنها وإما أن يكون بلحاظ الذات وما تتمظهر به وما يصدر عنها.
فإن قلنا أن الحب الدائمي هو للذات بقطع النظر عن أفعالها الصادرة عنها فهو حب لذاته الإنسانية فيه حتى لو صدرت منها أخطاء فهذا أمر غير معقول لأن الأفعال الصادرة من الذات هي المظاهر الكاشفة عن حقيقة الذات فإذا صدر منها الحرام والعياذ بالله كانت النفس نفسا شيطانية لأنها بعدت عن ساحة الله عز وجل وإذا صدرت منها الأفعال المقربة لله كانت نفسا ملكوتية، ومن المستحيل أن نأمر بحب النفس عند تلبسها بالشيطنة فقد ورد عنه صلى الله عليه وآله في صحيح مسلم ""لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن "" فليس من المعقول أن نؤمر بحب الحسين عليه السلام بشكل دائمي وهي نفس قد تصدر منها المعصية معاذ الله فيبقى أن نقول أن حبنا للحسين عليه السلام دائمي باعتبار أن ذاته مقدسة طاهرة لا يصدر منها إلا ما هو مقرب لله سبحانه وتعالى ولا يصدر منها المعصية أبدا.

النقطة الثانية: الحب التطبيقي:

على المستوى التطبيقي فإن الحب الكامن في النفس إذا كان ذو بعد عقائدي فإن التسليم والطاعة المطلقة للمحبوب هي النتيجة الحتمية وأن كل نفس ومال دون النفس المعصومة هين ورخيص وهذا ما يمكن لحاظه في معتقد أهل البيت عليهم السلام فهم يعتقدون بعدم جواز التقدم عليهم أو التأخر عنهم فقد ورد عن زين العابدين عليه السلام في دعاء في كل يوم من شعبان "المتقدم لهم مارق والمتأخر عنهم زاهق واللازم لاحق" فمن تقدم عليهم سهمه خائب مارق لا يصيب الهدف ومن تأخر عنهم يكون زاهق هالك أما الملازم لهم فهو لا حق بركبهم في سفينة النجاة.

أما من يفسر الحب على أي مستو نظري بما ذكر سابقا فإنه لا يرى العصمة في أشخاصهم وأن ميزان الترجيح لهم ولغيرهم يكون على مستوى وقوع العمل في الخارج على حسب موازينهم الاعتقادية والشرعية فالحب بهذا المعنى شيء والطاعة والانقياد المطلق لهم شيء آخر ولذا صحح البعض منهم جواز قتل الإمام الحسين باعتباره خارجا عن سلطان الزمان خصوصا على البناء بأنه لا يجوز الخروج على السلطان ولو كان جائرا أو أخذا السلطان الحكم بالقهر والغلبة وهذا المبرر يرفع الإثم حسب هذا النظر عن كل الصحابة والتابعين الذين سمعوا مقالة الحسين وهو يطلب الخروج للإصلاح بل ويبرر حتى لقتلة الحسين عليه السلام فهم قلوبهم معه وسيوفهم عليه كما وصف الفرزدق.

وعلى كل حال فمهما كان من أمر إلا أنه لا ينبغي التشكيك في حب الآخرين للإمام الحسين عليه السلام وصدق نوايا الأكثر من أصحاب المذاهب والملل ولو كان الأمر مورد نقاش وأخذ وعطاء وعلينا فتح الباب لذلك فإن بحبهم يمكن أن تصل الأمة شيعة وسنة إلى ملتقى توحد صفوفهم وتبعد عنهم الفتن.

والحمد لله رب العالمين.
مالك محمد علي درويش
غرة شعبان 1430 هـ
الموافق 24-7-2009م

هناك تعليقان (2):