الأحد، 26 يوليو 2009

الشفاعة بين العبادة والاستعانة من منظور قوله تعالى ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾

أتفق المفسرون على أنّ تقديم لفظ إيّاك على نعبد ونستعين يراد منها التخصيص أي بمعنى أننا نعبدك لا نعبد غير ك ونستعينك لا نستعين بغيرك وهذا بخلاف ما لو قال نعبدك ونستعينك فإن ذلك لا يمنع العبادة للغير والاستعانة بغيره، فمثلا لو كان هناك شخصين آمرين لك فقلت لأحدهما أطيعك فهذا لا يعني أن لا تطيع الآمر الآخر ولكن عندما تقول له إياك أطيع فمعناه أنك لا تطيعه إلا هو ولا تطيع الآمر الآخر.
هذه الدلالة اللغوية للتخصيص تستفاد من تقديم ماله حق التأخير كما هنا إذ قدم المفعول به على الفعل. ولكن هذه العبادة والاستعانة التي لا تكون إلا لله وحده ما حقيقتهما؟

المراد من العبادة:
ذكر السيد الخوئي عليه الرحمة أن للعبادة ثلاث معان:

الأول هو الطاعة كما في قوله تعالى ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾(يّـس:60)
والحقيقة أن الطاعة من لوازم العبادة فاستعمال القرآن العبادة بدل الطاعة استعمال الملزوم مكان اللازم وذلك لدلالة أن اتباع الشيطان فيما يريده من الإنسان مهما كانت نوعية التبعية هي من قبيل شدة الطاعة والانقياد التي يجب أن لا تكون إلا لله عز وجل، وعليه فعلى الإنسان أن لا يفكر أبد في الانقياد والطاعة للشيطان مهما صغر نوعية المطاع فيه فإنها ستخرجك من عبادة الله وطاعته إلى عبادة الشيطان وطاعته.
والأدهى والأمر من ذلك أن في هذه العصور خرجت فئة من المشرق والمغرب تتسمى وتتفاخر بكونها من عبدة الشيطان أعاذنا الله منهم.

الثاني: الخضوع والتذلل كما في قوله تعالى ﴿فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ﴾ (المؤمنون:47)
هذا جواب فرعون الاستنكاري على رسالة موسى وهارون عليهما السلام إذ كيف تريداني يا موسى وهارون أن نؤمن لبشرين هما من بني جنسنا ولا مزية زائدة لهما بل المزية الزائدة عندنا بأنّ قومهما خاضعون لنا ومتذللون.
وهنا أيضا يمكن القول بأن الخضوع والتذلل من لوازم العبودية واستعمال لفظ العبودية مكان الخضوع والتذلل لبيان المراتب العليا منهما لا أي مرتبة في الخضوع والتذلل والتي يمكن أن تكون لمثل الأب والأم بل هما مرتبتان عليتان من التذلل والخضوع حق أن تسميا بالعبادة أو هي أقرب لذلك ولذا في بيان شدة هذا التذلل والخضوع أقره موسى عليه كما قال تعالى ﴿وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائيلَ﴾ (الشعراء:22) وإن كان هذا الخضوع والتذلل بالإكراه والجبر إذ كان فرعون يغصبهم على ذلك كما يدل عليه قوله تعالى ﴿ وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ﴾(البقرة:49)

الثالث: التألّه كما في قوله تعالى ﴿قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ﴾ (الرعد:36) وقوله تعالى ﴿ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ﴾ (الزمر:11)
والعبادة هنا في الآيتين المراد منهما التأليه لله سبحانه وتعالى وهذا المعنى كما يقول السيد الخوئي عليه الرحمة هو المعنى المنصرف في العرف العام للفظ العبادة عند إطلاقه. وهذا هو المراد منه في قوله تعالى إيّاك نعبد
وفي الحقيقة هذا المعنى تعريف بما يقابل العبودية، إذ الألوهية تقابلها العبودية، والعبودية من المعاني الإضافية فلا بد من وجود إله يعبد حتى تتحقق العبودية.

أما رأي السيد الطباطبائي عليه الرحمة هو أن العبادة في الآية المراد منها هو نصب العبد نفسه في مقام المملوكية وبذلك يكون معنى الآية إياك يا مالك يوم الدين ننصب أنفسنا مملوكين فيتوجب علينا ملازمات المملوكية الحقة للمالك الحق من الطاعة المطلقة والخضوع والتذلل المطلق.

شهيد المحراب السيد الحكيم عليه الرحمة بعد مناقشته للسيد الطباطبائي يتوصل إلى أن معنى العبودية حقيقة هي التذلل والخضوع لكن لا أي تذلل وخضوع بل التذلل والخضوع المؤطر بإطار التقديس والتعظيم وهذا الخضوع والتذلل المشروط بالتقديس والتعظيم هو المحرم إظهاره لأي أحد غير الله سبحانه وتعالى.
ولكن لا يخلو هذا المعنى من كونه لازم حقيقي لمعنى العبودية.

هذا المعاني للعبادة سواء كانت بمعنى التأليه أو نصب المملوكية أو الخضوع والتذلل المتأطر بالتعظيم والتقديس مما لا ينبغي الشك في كونه لله تعالى وحده والخروج عن هذا المسار يدخل الإنسان في الشرك أو الإلحاد، فالمشركون هم الذين يقومون بعبادة الأصنام وغيرها على أنها الواسطة لله سبحانه وأنها تقربهم لله زلفى (أي يقربونهم تقريبا) كما أشار قوله تعالى ﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ (الزمر: من الآية3) وهذه العبادة للأصنام أو الكواكب أو غيرها تقوم على أحد هذه المعاني المذكورة سلفا.

أما الملحدون فهم الذين لا يعترفون بوجود خالق الكون فلا تتحقق منهم العبودية لها ولا التقرب إليه.

المراد من الاستعانة:

الاستعانة هي طلب المعونة ولا تكون إلا من القادر عليها وهي هنا لرفع وهم مقدر فربما يتوهم متوهم من أنّ عبادتنا لله سبحانه متقومة بذواتنا فيأتي هذا المقطع من الآية ليبعد هذا التوهم بأننا في عبادتنا نحتاج إلى الاستعانة بك وحدك وبهذا كما يقول السيد الطباطبائي تشير الآية إلى الإخلاص في العبادة وبذلك تشير الآية على معنى واحد وهو العبادة عن إخلاص.
فالآية تريد أن تربي العبد على كون العبادة من الإنسان غير خارجة عن ملك الله سبحانه وتعالى فكل ما يقوم به العبد من أفعال وأقوال من حركات وسكنات والتي تكون بخضوع وتذلل لله تعالى هي فيض من ملك الله عز وجل كذلك ولذا في ورد في الرواية عن الباقر ( عليه السلام ) قال : قال الله عز وجل لموسى بن عمران ( عليه السلام ) : يا موسى ، اشكرني حق شكري ، قال : يا رب كيف أشكرك حق شكرك والنعمة منك والشكر عليها نعمة منك ؟ فقال الله تبارك وتعالى : إذا عرفت أن ذلك مني فقد شكرتني حق شكري.

وهناك رأي يوسع من معنى الاستعانة في سياق الآية بحيث لا تكون الاستعانة هي مجرد طلب العون إذ أن ذلك غير مقتصر على الله عز وجل فالإنسان عندما تقتصر مقدرته عن إدراك مطلوبه في حاجاته المعيشية يستعين بذلك على غيره حتى يتحصل عليها وكما يعبر عنه بسد باب من أبواب العدم عليه فيستعين بغيره في رفع هذا العدم فالطبيب يستعين بالخباز لكي يعينه في رفع عدم الخبز عنه والخباز يستعين بالطبيب لكي يعينه في رفع حاجته لتشخيص المرض وهكذا.

ولكن الاستعانة المطلقة والتي تتعلق بإيجاد كل الأمور صغيرها وكبيرها وهي التي ترفع العدم لأي أمر لا تكون إلا بيد الله سبحانه وتعالى فطلبها من الله عز وجل وحده إذ لا أحد يمكنه أن يرفع العدم عن شيء من الأشياء بإيجاد جميع أسبابه وشرائط وجوده غير الله عز وجل. وهذه الاستعانة لرفع جميع أبواب العدم وهي التي تسمى في العرف التوفيق
إذا التوفيق الرافع لجميع أبواب العدم لا يكون إلا بالله عز وجل وهو المعبر بالتوفيق نطلبه من الله لا نطلبه من غيره.

إذا هذه الاستعانة تنفي الشرك إذ أن الذين يتقربون لله بواسطة الأصنام يتقربون بالاستعانة بواسطة غيره ويقصدون بأنها ترفع الموانع وتحقق الأسباب للإيجاد أي أنها تنحصر بها أسباب التوفيق فيتحقق الشرك.

إشكال ووهم

إذا بعد التعرض للمعنى من العبادة لله عز وجل ومعنى الاستعانة به فهل يحتاج بني آدم إلى غيره سبحانه للوصول إلى قربه، وكما هو مُشكَل على الشيعة الإمامية بأنهم يتقربون بأئمتهم للتقرب من الله عز وجل، وهل هذا إلا شرك في العبودية والاستعانة، فكيف يصح لنا أن نجعلهم وسائط للتقرب بهم لله عز وجل وكيف يصح لنا أن نستعين بهم في رفع حوائجنا. ومما يؤكد هذا المنحى ظاهر قوله تعالى ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ (البقرة:186) وقوله تعالى﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾ (الزمر:36)، فإن المدعي يقول بأن الآية تدل على أنّ على العبد الطلب والدعاء من الله مباشرة من دون أي وساطة فهو قريب من عبده والقريب لا يحتاج إلى واسطة للوصول إليه كما قال تعالى ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ (قّ: من الآية16) وقال تعالى﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ﴾ (الواقعة:85)

هذا الإشكال من فنون المغالطة عند بعض أهل السنة لا كلهم وهو يرتكز على فهم الواسطة التي بين الله وخلقه، فهل كل واسطة بين الله وخلقه الاعتقاد بها يعد من الشرك بحيث تكون نفيا للعبودية المطلقة والاستعانة المطلقة أم أن هناك واسطة بين الله وخلقه تكون هي من تمام العبودية له ومن تمام الاستعانة به وأن هذه الوساطة لا تنفي قرب الله تعالى من عباده.

جواب الإشكال

الواسطة بين الله وخلقه على نحوين واسطة تكوينية وواسطة شرعية.

الواسطة التكوينية: هي العلل الطولية بعد الله عز وجل في الإيجاد من الأسباب والمسببات في الإيجاد، فنحن نعلم أن الله لم يخلق العالَم مباشرة من دون واسطة بل أنه خلق الأرض والسماوات على مراحل ستة عبر عنها بالأيام كما في قوله تعالى ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ (يونس:3) ونحن ندرك ونرى بأن كل إنسان يحتاج في وجوده إلى أسباب عديدة ومراحل عدة، فمن التقاء الحويمن والبويضة وتدرجه في رحم الأم حتى يخرج ثم يأخذ أسباب النمو إلى أن يموت. فكل هذه الأسباب والمسببات هي علل طولية إي في طول العلة الأولى والسبب الأول وهو مسبب الأسباب وهو الله عز وجل.
نعم هذه العلل لا تستطيع أن تنقطع عن المفيض لها الوجود ولا للحظة واحدة فدوام وجودها بوجود الاتصال الفيضي من قبل الله عز وجل ومع ذلك هي واسطة بين الله وبين خلقه، ولذا بإمكاننا السؤال لما لا يخلق الله الإنسان كاملا عاقلا مكلفا مباشرة من دون هذه الوسائط والعلل، هل هناك عجز في ساحته سبحانه وتعالى عن ذلك.
هذه الوسائط ليست عجزا في مقدرة الله وإنما عجز في القابل وهو نحن إذ أننا لا يمكننا أن نتحمل الخلق المباشر من قبل الله من دون تلك الوسائط.

ولكي يكون المعنى واضحا أضرب مثالا من واقع الحياة المادية فعندما يكون عندنا جهازا كهربائيا يحتاج إلى أحاد من الفولتات ويوجد عندنا محطة كهربائية تنتج الآلاف من الفولتات فلا يمكاننا أن نوصل الطاقة المنتجة من المحطة إلى الجهاز الكهربائي مباشرة بل نحتاج إلى عدة محولات حتى نقلل من اندفاع القوة المطلقة إلى الدرجة التي يتحملها الجهاز الكهربائي، وعليه فالمحطة في طاقتها ليست عندها عجز ولا تحتاج إلى الجهاز الكهربائي في أصل طاقتها وإنما الجهاز الكهربائي فقير إلى تلك الطاقة ولكنه غير قابل موضوعا لتحملها مباشرة فاحتاج على الوسائط لإفاضة الطاقة المناسبة له.

هكذا الإنسان وباقي العالم المادي في وجوده يحتاج إلى وسائط متعددة لإفاضة الوجود عليه فلا يمكن للعالم المادي أن يوجد هكذا مباشرة من القدرة المطلقة من دون وسائط لا لعجز القدرة المطلقة وإنما للعجز في القابل وهي الحياة المادية، هذه الواسطة بين العالم المادي الضعيف في الوجود وبين الله عز وجل ذو القدرة المطلقة هم أهل البيت عليهم السلام.
وبهذا المعنى جملة من الروايات نذكر منها
عن أبي الحسن الثالث ( عليه السلام ) أنه قال : " إن الله جعل قلوب الأئمة موردا لإرادته ، فإذا شاء الله شاءوا ، وهو قول الله تعالى: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ (الانسان:30)

وفي حديث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : " إن الله جعل قلب وليه وكرا لإرادته فإذا شاء الله شئنا ".
وعن أبي محمد ( عليه السلام ) قال : " كذبوا بل قلوبنا أوعية لمشيئة الله فإذا شاء شئنا "
وفي الزيارة المطلقة للإمام الحسين ( عليه السلام ) التي رواها ابن قولويه عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : " بكم فتح الله وبكم يختم الله ، وبكم يمحو الله ما يشاء وبكم يثبت ، وبكم تنبت الأرض أشجارها ، وبكم تنزل السماء قطرها ورزقها . . . إرادة الرب في مقادير أموره تهبط إليكم وتصدر من بيوتكم ".

الواسطة التشريعية: وهي أن تكون هناك وسائط لإيصال أحكام الله عز وجل التكليفية إلى مكلفيه بحيث تكون هذه الوسائط معبرة عن إرادة الله التشريعية أمام خلقه، وهذه الوسائط مما لا يستشكل أحدٌ في وجودها فالأنبياء والرسل من مصاديق هذه الوسائط ولذا أوجب الله محبتهم وطاعتهم قال تعالى ﴿ قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ (آل عمران:84)

﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾(آل عمران:32)
فلو نظرنا فإن طاعة الرسول هي طاعة الله وتنفيذ أحكامه على الأرض تنفيذ لأمر الرسول وبالتالي هو تنفيذ لأمر الله فالطاعة لله لا تكون إلا عبر طاعة رسوله فهو الواسطة للوصول إلى طاعة الله فإذا سألنا لماذا لا ينزل الله الأحكام مباشرة من دون توسط شيء للبشر ويطالبهم بتنفيذها مباشرة؟
والجواب عين الجواب الأول عدم مقدرتنا بالاتصال المباشر بالله سبحانه وتعالى للعجز والضعف فينا ولهذا احتجنا إلى نفس تأنس نفوسنا منه وتقبله ولا يكون ذلك إلا من بني جنسنا قال تعالى ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ﴾ (الأنعام:9)
بل يمكننا أن نتعدى أكثر من ذلك فنقول أن طاعته لم يقرنها فقط بالرسول بل حتى أنه علق المغفرة والتوبة على كثير من الخطايا على بعض الناس العاديين فالأب الذي له حق الطاعة التشريعية على الولد لا يستطيع الولد نوال غفران ربه إلا عن طريق رضا أبويه عنه، فهذان من الوسائط والوسائل للطريق إلى الله حتى ورد أن الجنة تحت أقدام الأمهات قال تعالى ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً﴾ (النساء:36) وقال تعالى ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً﴾ (الإسراء:23)

وخلاصة الأمر أن وجود الواسطة بين الله عز وجل وبين خلقه مما لا ينكر تكوينا وتشريعا والتعلق بهذه الوسائط هو ليس من التعلق بغير الله عز وجل بل هو من صميم التعلق بالله، وعليه فالاستعانة بأهل البيت عليهم السلام لأنهم الوسائط التكوينية والتشريعية لباقي خلقة هو تعلق بما يريده الله عز وجل وبما يوجب القرب من الله أكثر فأكثر، وهذا ليس من قبيل عبادة الأصنام والأوثان إذ أن هذه الأمور ابتدعاها الإنسان من دون أن يكون لها حق الوساطة المأذونة من قبل الله أما أهل البيت عليهم السلام فهم مأذونون من قبل الله عز وجل قال تعالى ﴿ يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً ﴾(طـه:109) وقال تعالى ﴿ وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ﴾ (سـبأ:23) وقال تعالى ﴿ يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً ﴾ (النبأ:38)
إذا قوله تعالى ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ لا تنافي الوساطة بين الله وخلقه بل أن وساطته المأذونة التمسك بها من عين العبادة وعين الاستعانة قال تعالى ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً﴾ (الإسراء:57)
والحمد لله رب العالمين

مالك محمد علي درويش
24 من شهر رمضان 1428 هـ
كرزكان - البحرين


هناك تعليق واحد: